الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) (١) أو أن يشرك في خلقه أحداً أو أن يدخل في رحمته من قد أخرجه منها أو أن يخرج منها من قد أدخله فيها . ولقد أعظم بالله الجهل من زعم أن العلم كان بعد الخلق ، بل لم يزل الله وحده بكل شيء عليماً وعلى كل شيء شهيداً قبل أن يخلق شيئاً ، وبعد ما خلق لم ينقص علمه في بدئهم ولم يزد بعد أعمالهم ولا تغير بالجوائح التي قطع بها دابر ظلمهم ، ولم يملك إبليس هدى نفسه ولا ضلالة غيره . وقد أردتم بقذف مقالتكم إبطال علم الله في خلقه وإهمال عبادته ، وكتاب الله قائم بنقض بدعتكم وإفراط قذفكم . ولقد علمتم أن الله بعث رسوله والناس يومئذٍ أهل الشرك ، فمن أراد الله له الهدى لم تحل ضلالته الّتي كان فيها دون إرادة الله له ، ومن لم يرد الله له الهدى تركه في الكفر ضالاً فكانت ضلالته أولى به من هداه .
١٤ ـ فزعمتم أن الله أثبت في قلوبكم الطاعة والمعصية ، فعملتم بقدرتكم بطاعته وتركتم بقدرتكم معصيته ، وإن الله خلو من أن يكون يختص أحداً برحمته أو يحجز أحداً عن معصيته .
١٥ ـ وزعمتم أن الشيء الذي يقدر إنما هو عندكم اليسر والرخاء والنعمة وأخرجتم منه الأعمال .
١٦ ـ وأنكرتم أن يكون سبق لأحد من الله ضلالة أو هدى أو أنكم الذين هديتم أنفسكم من دون الله ، وأنكم الذين حجزتموها عن المعصية بغير قوة من الله ولا إذن منه .
١٧ ـ فمن زعم ذلك فقد غلا في القول لأنه لو كان شيء لم يسبق في علم الله وقدره لكان لله في ملكه شريك ينفذ مشيئته في الخلق من دون الله والله يقول : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٢) وهم له قبل ذلك كارهون ( وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) (٣) وهم له قبل ذلك محبون وما كانوا على شيء من ذلك لأنفسهم بقادرين . ثم أخبرنا بما سبق لمحمد ( صلی الله عليه وآله وسلم )
____________________
(١) سورة فصلت : الآية ٤٢ .
(٢) و (٣) سورة الحجرات : الآية ٧ .