٣٥ ـ وهذا رد الكتاب منكم ونقض الدين ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه حين نجم القول في القدر : « هذا أول شرك هذه الأمة ، والله ، ما ينتهى بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيراً كما أخرجوه من أن يكون قدر شراً » .
٣٦ ـ أنتم تزعمون بجهلكم أن من كان في علم الله ضالاً فاهتدى ، فهو بما ملك ذلك حتى كان في هداه ما لم يكن الله علمه فيه ، وأن من شرح صدره للإسلام فهو مما فوض إليه قبل أن يشرحه الله له ، وأنه إن كان مؤمناً فكفر فهو مما شاء لنفسه وملك من ذلك لها وكانت مشيئته في كفره أنفذ من مشيئة الله في إيمانه .
٣٧ ـ بل أشهد أنه من عمل حسنة فبغير معونة كانت من نفسه عليها ، وأن من عمل سيئة فبغير حجة كانت له فيها وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وأن الله لو أراد أن يهدي الناس جميعاً لنفذ أمره فيمن ضل حتى يكون مهتدياً .
٣٨ ـ فقلتم : بمشيئته شاء لكم تفويض الحسنة إليكم وتفويض السيئة ، ألقى عنكم سابق علمه في أعمالكم وجعل مشيئته تبعاً لمشيئتكم .
٣٩ ـ ويحكم ، فوالله ، ما أمضى لبني إسرائيل مشيئتهم حين أبوا أن يأخذوا ما آتاهم بقوة حتى نتق ( الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ) (١) . فهل رأيتموه أمضى مشيئة لمن كان قبلكم في ضلالته حين أراد هداه حتى صار إلى أن أدخله بالسيف في الإسلام كرهاً بموقع علمه بذلك فيه ؟ أم هل أمضى لقوم يونس مشيئتهم حين أبو أن يؤمنوا حتى أظلهم العذاب فآمنوا وقبل منهم ، ورد على غيرهم الإيمان فلم يقبل منهم . وقال : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) (٢) أي علم الله الذي قد خلا في خلقه ( وَخَسِرَ هُنَالِكَ
____________________
(١) سورة الأعراف : الآية ١٧١ .
(٢) سورة غافر : الآية ٨٤ ـ ٨٥ .