وذكر : إن الذي أوقعهم فيه تشتت الأهواء ، وترك كتاب الله تعالى ، ألم تر إلى قوله : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) . فافهم أيها الأمير ما أقوله ، فإن ما نهى الله عنه فليس منه ، لأنه لا يرضى ما يسخط ، وهو من العباد ، فإنه تعالى يقول ( وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (٢) .
فلو كان الكفر من قضائه وقدره ، لرضي به ممن عمله ، وقال تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (٣) ؟ ! وقال ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) (٤) ولم يقل والذي قدر فأضل ، لقد أحكم الله آياته وسنة نبيه ( عليه السلام ) فقال ( قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) (٥) . وقال ( الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) (٦) . ولم يقل ثم أضل ، وقال ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ ) (٧) ، ولم يقل إن علينا للضلال ولا يجوز أن ينهى العباد عن شيء في العلانية ، ويقدره عليهم في السر ، ربنا أكرم من ذلك وأرحم ولو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان تعالى يقول : ( اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) (٨) . ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، وقال ( لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) (٩) . لأنه جعل فيهم من القوة ذلك لينظر كيف يعملون ، ولو كان الأمر كما قاله المخطئون ، لما كان إليهم أن يتقدموا ولا يتأخروا ، ولا كان لمتقدم حمد فيما عمل ، ولا على متأخر لوم ، ولقال : جزاء بما عمل بهم ، ولم يقل جزاء بما عملوا وبما كسبوا ، وقال تعالى ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
____________________
(١) سورة النمل : الآية ٦٤ .
(٢) سورة الزمر : الآية ٧ .
(٣) سورة الإسراء : الآية ٢٣ .
(٤) سورة الأعلى : الآية ٣ .
(٥) سورة سبأ : الآية ٥٠ .
(٦) سورة طه : الآية ٥٠ .
(٧) سورة الليل : الآية ١٢ .
(٨) سورة فصلت : الآية ٤٠ .
(٩) سورة المدثر : الآية ٣٧ .