الوضوح بمكان بحيث لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها ، كيف وهذه قصة السقيفة لم نر أحداً فيها من الذين رشّحوا أنفسهم للخلافة ، كسعد بن عبادة من الأنصار ، وأبي بكر من المهاجرين ، استدل على صحة خلافته بنص النبي عليه .
فهذا هو سعد بن عبادة يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب ، إن محمداً لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل . . . إلى أن قال : حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ، وخصكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه . . . إلى أن قال : وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين ، استبدوا بهذا الأمر دون الناس .
هذا منطق مرشح الأنصار لا ترى فيه تلميحاً إلى وجود النص عليه وليس يقصر عنه منطق أبي بكر في هذا الموقف حين قال : فهم ـ أي المهاجرون ـ أول من عبد الله في الأرض ، وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم في ذلك إلا ظالم . . . إلى أن قال : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة (١) .
فهذان المنطقان من سعد بن عبادة وأبي بكر يعربان عن عدم وجود النص على واحد منهما ، وأما الخليفتان الآخران فحدث عنهما ولا حرج ، فقد رقى عمر بن الخطاب منصَّة الخلافة بأمر من أبي بكر عندما دعا عثمان بن عفان في حال مرضه فقال له : « اكتب بسم الله الرحيم . . . هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين : أما بعد ثم أغمي عليه فكتب عثمان : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم يكن خيراً منه ، ثم أفاق وقال : اقرأ عليَّ ، فقرأ عليه
____________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ حوادث السنة ١١ ص ٤٥٦ .