وبقوله : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (١) ، وفي سعة قدرته : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات الواردة حول المبدأ والمعاد وما يرجع إليهما من الأبحاث الكلامية الغامضة ، فلكل واحدة من هذه المسائل نصوص في الكتاب والسنة وهي أغنتهم عن الرجوع إلى غيرهم .
نعم إن مفاهيم هذه الآيات على بساطتها تهدف إلى معان بعيدة الأغوار ، عالية المضامين ، فالكل يستفيد منها حسب مقدرته واستعداده فهي هادية لكل البشر ومفيدة لجميع الطبقات من ساذجها إلى متعلمها ، إلى معلمها . . .
وهذه الميزة يختص بها القرآن الكريم ويتميز فيها عن غيره فهو مع كونه هدى للناس عامة ، خير دليل للمفكرين صغارهم وكبارهم .
هذا هو الكتاب وأما السنة فهي عبارة عما ينسب الى النبي من قول أو فعل أو تقرير ، نازلة منزلة التفسير والتبيين لمعاني الكتاب الحكيم ، مبينة لمجمله ، شارحة لمعانيه كما يعرب عنه قوله سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٣) ، أي لا لتقرأ فقط بل لتبين وتشرح ما نزل ، بقولك وفعلك وتقريرك .
وأما العترة فيكفي في عصمتهم وحجية أقوالهم ، حديث الثقلين الذي تواتر نقله ، وقام بنقله أكابر المحدثين في العصور الإسلامية كلها .
وكان اللائق بالمسلمين والواجب عليهم مع الحجج الإلهية ، التمسك بالعروة الوثقى ، ورفض الاختلاف ولكن يا للأسف تفرقوا إلى فرق وفرق لعلل نشير إليها .
إن لتكون المذاهب الإسلامية ـ أصولاً وفروعاً ـ عللاً وأسباباً ومعدات وممهدات ولا يقوم بحق بيانها الباحث إلّا بإفراد كتاب خاص في هذا الموضوع ،
____________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٠٣ .
(٢) سورة الأنعام : الآية ٩١ .
(٣) سورة النحل : الآية ٤٤ .