والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله صلی الله عليه وآله ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عموا به ، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به ورسوله والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه ، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ـ إلى أن قال ـ : استبدوا بهذا الأمر دون الناس فأجابوه بأجمعهم : أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما رأيت ، نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضى (١) .
هذا منطق الأنصار ورئيس جبهتهم ترى أنه يجر النار إلى قرصه وحزبه بحجة أنهم آمنوا بمحمد صلی الله عليه وآله ونصروه وآووه ، إلى غير ذلك من الحجج التي ذكرها سعد بن عبادة ، رئيس الخزرج في جبهة الأنصار .
ومن جهة ثالثة نرى بعض المهاجرين الذين اطلعوا على اجتماع الأنصار في السقيفة ، يتركون تجهيز النبي صلی الله عليه وآله ومواراته ويسرعون إلى السقيفة ويحضرون في جمعهم ويناشدونهم ويعارضون منطقهم بقولهم : إن المهاجرين أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله وبرسوله وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم في ذلك إلا ظالم ـ إلى أن قال ـ : من ذا ينازعهم في سلطان محمد صلی الله عليه وآله وإمارته وهم أولياؤه وعشيرته إلّا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة (٢) .
وهذا منطق بعض المهاجرين لا يقصر في الصلابة أو الوهن عن منطق الأنصار والكل يدعي أن الحق له ولحزبه ، من دون أن يتفكروا في مصالح الإسلام والمسلمين ، ومن دون أن يتفكروا في اللياقة والكفاءة في القائد ، ومن دون أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة وإحراز المعايير التي يجب وجودها في القائد ، فيشبه منطق هؤلاء منطق المرشحين من سرد الثناء على أنفسهم وحزبهم لرئاسة الجمهورية أو عضوية المجلس الوطني .
____________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ، حوادث سنة ١١ ص ٤٥٦ .
(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ، حوادث سنة ١١ ص ٤٥٧ .