بمعنى التأخير قال سبحانه : ( أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ) (١) .
ولهذه الفرقة ( المرجئة ) آراء خاصة نشير إليها في محلها ، غير أن اللبنة الأولى لظهورها هي اختلافهم في أمر علي وعثمان ، فهؤلاء ( الخوارج ) كانوا يحترمون الخليفتين أبا بكر وعمر ويبغضون علياً وعثمان ، على خلاف أكثرية المسلمين ، ولكن المرجئة الأولى لما لم يوفقوا لحل هذه المشكلة التجأوا إلى القول بالإرجاء فقالوا : نحن نقدم أمر أبي بكر وعمر ، ونؤخر أمر الآخرين إلى يوم القيامة ، فصارت المرجئة فرقة نابتة من خلاف الخوارج في أمر الخليفتين ، مع فوارق بينهم وبين المرجئة التي تأتي في محلها والعامل لتكونها كأصلها ، هو سوء الفهم واعوجاج التفكير .
هذا هو أصل الإرجاء ، ولبنته الأولى ، ولكنه قد نسي في الأونة الأخيرة ، وأخذ الأصل الآخر مكانه . وهو كون العمل داخلاً في الإيمان أو لا ، وبعبارة أخرى : هل مرتكب الكبيرة مؤمن أو لا ؟ .
ذهبت الخوارج إلى دخول العمل في صميم الإيمان ، فصار مرتكب الكبيرة كافراً .
واختارت المعتزلة كون مرتكب الكبيرة غير مؤمن ولكنه ليس بكافر ، بل هو في منزلة بين المنزلتين .
وذهبت المرجئة الأولى إلى خروج العمل من الإيمان ، وأن إيمان مرتكب الكبيرة ، كإيمان الملائكة والأنبياء بحجة عدم دخالة العمل في الإيمان . فاشتهروا بالقول : « قدموا الإيمان وأخروا العمل » فصار هذا أصلاً وأساساً ثانوياً للمرجئة . فكلما أطلقت المرجئة لا يتبادر منها إلا هؤلاء .
إن الاكتفاء في تفسير الإيمان بالشهادة اللفظية أو المعرفة القلبية وأن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً وان النار للكافرين (٢) واقتحام الكبائر لا يضر أبداً ،
____________________
(١) سورة الأعراف : الآية ١١١ .
(٢) شرح المقاصد للتفتازاني : ج ٢ ص ٢٢٩ ولاحظ أيضاً ص ٢٣٨ .