أما الفقيه النابه فيستفيد من الآية شيئا أوسع ، يشمل كل ضرورات الدولة القائمة على أساس العدل ، وإحياء كلمة الله في الأرض ؛ فيجب بذل المال في سبيل تثبيت دعائم الحكم العادل والتشييد من مبانيه ، فيجب دفع الضرائب الماليّة حسبما يقرّره النظام ، مستفادا من الآية الكريمة في باطن فحواها ، أخذا بالتأويل حسب المصطلح.
وهكذا المستفاد من آية خمس الغنائم ، وجوب دفع الخمس في مطلق الفوائد وأرباح المكاسب ، حسبما فهمه الإمام الصادق عليهالسلام من الآية ، أخذا بعموم الموصول ، وإطلاق الغنيمة على مطلق الفائدة.
وفي القرآن من هذا القبيل الشيء الكثير ، الأمر الذي ضمن للقرآن بقاءه مع الخلود.
وجهة أخرى : إنّ للقرآن لغته الخاصة به ، شأن كل صاحب اصطلاح ، فللقرآن اصطلاحه الخاص ، يستعمل ألفاظا وتعابير في معان أرادها بالذات ، من غير أن يكون في اللغة أو في سائر الأعراف دليل يدلّ عليه ؛ لأنه من اصطلاحه الخاص ولا يعرف إلّا من قبله. ومن ثمّ كان القرآن ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، كما جاء في كلام الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام (١).
إنّ في القرآن تعابير كثيرة لا تكاد تدرك معانيها إلّا إذا سبرت القرآن سبرا وفحصته فحصا ، لتعرف مفاهيمها التي اصطلح عليها القرآن من القرآن ذاته ، وليس من غيره إطلاقا.
هكذا ذهب سيدنا العلّامة الطباطبائي قدسسره إلى أنّ الدلالة على مفاهيم القرآن ،
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٣٣.