إنما هي من ذات القرآن ، وليس من خارجه أبدا ، لأنه تبيان لكل شيء ، وحاشاه أن لا يكون تبيانا لنفسه ، فإن القرآن يفسّر بعضه بعضا. وهذا هو أصل التفسير المعتمد ، وقد بنى تفسيره في الميزان على هذا الأساس (١).
مثلا : لفظة «الإذن» في الاستعمال القرآني ، جاء بمعنى : إمكان التداوم في التأثير الحاصل وفق مشيئة الله وإرادته الخاصّة ، أي تداوم الإفاضة من قبله تعالى ؛ حيث التأثير في عالم التكوين ، موقوف على إذنه تعالى ، بأن يفيض على عامل التأثير خاصيّته التأثيرية ؛ حالة التأثير ، أي يديمها ولا يقطع إفاضته عليه حينذاك ، وإلّا لما أمكن لعامل التأثير أن يؤثّر شيئا (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(٢) تلك إرادته تعالى الحادثة ، هي التي أمكنت للأشياء تأثيرها وتأثّرها في عالم الطبيعة ، ولولاها لما أمكن لعامل طبيعي أن يؤثر شيئا في عالم الوجود ، وهذا هو المراد من تداوم إفاضته تعالى في عالم التكوين.
قال تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٣) فلو لا إذنه تعالى ، أي تداوم إفاضة ـ إمكان التأثير من قبله تعالى ـ لما أمكن لسحرهم أن يؤثر شيئا.
وذلك نظرا لأن عوامل التأثير في عالم الوجود ، إنما هي متأثّرة ـ في إمكان تأثيرها ـ بتأثيره تعالى ؛ إذ لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ؛ حيث الممكنات بأسرها فقيرات في ذوات أنفسها ، فكما أنها بذاتها محتاجة إلى إفاضة الوجود عليها ، كذلك أثرها في عالم الطبيعة أمر ممكن ، ومحتاج لإفاضة الوجود عليه. ففور إرادة التأثير يجب تداوم إفاضة إمكان التأثير عليه حتى يتمكّن من التأثير (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
__________________
(١) راجع : مقدمة التفسير ، ج ١ ، ص ٩.
(٢) التكوير / ٢٩.
(٣) البقرة / ١٠٢.