من أفعالهم الاختيارية.
والأمثلة على ذلك كثيرة ومنبثّة في القرآن الكريم ، غير خفية على الناقد البصير.
وجهة رابعة : قد سلك القرآن في تعاليمه وبرامجه الناجحة مسلكا ، ينتفع به الجمهور ، ويخضع له العلماء ، ومن ثم جاء بتعابير يفهمها كل من الصّنفين : الجمهور يأخذون بظاهر الكلام ويتصورون له من المعاني ما ألفت بها أذهانهم في الأمور المحسوسة ، ويحسبون فيما وراء محسوسهم ما يشاكل المحسوس ، ويقتنعون بذلك ، ويستريح بالهم.
والعلماء يعرفون حقيقة الحال التي جاءت في طيّ المقال ، ويأخذون بلطائف الإشارات وظرائف الكنايات التي مثّلت لهم الحقيقة في واقع الأمر ، بما يخضعهم له ويطمئنّون إليه.
خذ لذلك مثلا قوله تعالى ـ تعبيرا عن ذاته المقدّسة في عالم الكون ـ : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) لمّا كان أرفع الموجودات في الحسّ هو النور ، ضرب الله به المثال ، وبهذا النحو من التصور أمكن للجمهور أن يفهموا من الذات المقدسة موجودا أجلى وأظهر فيما وراء الحسّ ، يشبه أن يكون مثل النور في المحسوس شبها ما ، ويقتنعون بذلك.
أما العلماء فيرون من هذا التشبيه أقرب ما يكون تصوّرا من ذاته المقدسة ، فليس في عالم المحسوس ما يكون على مثاله ، وفي أخص أوصافه تعالى كالنور الذي هو ظاهر في نفسه ، ومظهر لغيره ، وليس شيء في عالم المحسوس (المبصرات) إلّا ويكون ظهوره بالنور ، أما النور فهو ظاهر بنفسه وليس بغيره.
وكذا لا يكون ـ في عالم المحسوس ـ شيء أكثر ظهورا وفي نفس الوقت