أما ولو أهملت هذه الأمة بالقيام بهذه المهمّة ، وتقاعست عن الإتيان بواجبها الديني الفرض ، وقصّرت دون أداء رسالة الله في الأرض ، فإنّ الله تعالى سوف يستبدل بهم قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(١).
وقد عرفت أنّ الأوائل كانوا يجيزون ترجمة معاني القرآن لأقوام كانوا جديدي عهد بالإسلام ، ممن لم تكن لهم سابقة إلمام باللغة العربية ، فكانت تعرض عليهم الآية مصحوبة بترجمتها ؛ لغرض إفهام معاني الذكر الحكيم وبيان مقاصده وتعاليمه الرشيدة لملأ الناس.
لا شك أنّ في الهجرة الأولى (إلى الحبشة) حيث عرضت آي من القرآن الكريم على حاضري مجلس النجاشي من الوزراء وأعيان الدولة ، قد ترجمت ما تليت من آي الذكر الحكيم ، باللغة الحبشية (الأمهريّة) ؛ إذ لم يكن الحضور يحسنون العربية بطبيعة الحال ، وفي ذلك يقول صدر الأفاضل : وإني اعتقد أن جعفر بن أبي طالب عليهالسلام كان يجيد اللغة الحبشية ، وهو الذي قام بترجمة الآيات التي تلاها حينذاك من سورة مريم (٢) ، فكان ذلك التأثير العجيب في نفوس القوم ولا سيما النجاشي نفسه ؛ حيث قال : «والله إن كلام محمد ، لا يختلف شيئا عن تعاليم سيدنا المسيح ...» ، وبكى بكاء شديدا.
وهكذا لما طلب الراجا (رائك مهروق) ـ الذي كان أميرا على منطقة الرور ـ من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، مندوب الحكومة الإسلامية هناك سنة
__________________
(١) محمد / ٣٨.
(٢) عن مقال له في مجلة التوحيد ، السنة الثانية ، العدد ٩ ، ص ٢١٦.