وأيضا فإنّ في القرآن إلماعات إلى حوادث غابرة وأمم خالية ، جاء ذكرها لأجل العظة والاعتبار ، إلى جنب عادات جاهلية كانت معاصرة ، عارضها وشدّد النكير عليها ، في مثل مسألة النسيء ، وأنّها زيادة في الكفر ، (١) ونهيه عن دخول البيوت من ظهورها. (٢) ونحو ذلك ، فاستنكرها عليهم وعنّفهم عليها حتى أبادها ، وقطع من جذورها. فلم يبق منها سوى إشارات عابرة ، لو لا الوقوف عليها ، لما أمكن فهم معاني تلكم الآيات.
كما تعرّض لأمور أتى عليها من وجه كلّيّها وأهمل جانب تعيينها ، فجاءت مجملة هي بحاجة إلى شرح وبيان ، في مثل الدابّة التي تخرج من الأرض فتكلّم الناس ، (٣) والبرهان الذي عصم يوسف من ارتكاب الإثم. (٤) هذا مضافا إلى غرائب اللغة التي جاءت في القرآن على أفصحها وأبلغها ، وإن كان صعبا فهمها على عامة الناس ، لو لا الشرح والبيان.
قال الراغب : فالتفسير إما أن يستعمل في غريب الألفاظ ، نحو «البحيرة» و «السائبة» و «الوصيلة» أو في وجيز كلام يبيّن ويشرح ، كقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(٥) أو في كلام مضمّن بقصّة لا يمكن تصوّره إلّا بمعرفتها ، نحو
__________________
(١) التوبة / ٣٧.
(٢) البقرة / ١٨٩.
(٣) النمل / ٨٢.
(٤) يوسف / ٢٤.
(٥) المائدة / ١٠٣. قال الراغب : البحيرة هي الناقة إذا ولدت عشرة أبطن ، شقّوا أذنها وتركوها ، فلا تركب ولا يحمل عليها. والسائبة ، إذا ولدت خمسة أبطن ، تسيّبت في المرعى ، فلا تردّ عن حوض ولا كلاء. والوصيلة ، إذا ولدت الشاة توأمين ذكرا وأنثى ، فلا يذبح الذكر ، ويقال : وصلت أخاها ، فيتركونه لأجلها. والحام : الفحل إذا ضرب عشرة أبطن ، كان يقال : حمي ظهره فلا يركب.