لم يقصد قتله ـ بأن لم يكن العمل الذي وقع عليه مما يقتل به غالبا ـ فوقع قتله اتفاقا ، فهو شبيه العمد. أما إذا كان مقصودا بالقتل فهو العمد محضا. فهذا التفصيل والبيان إنما تعرضت له السنّة تفسيرا لما أبهم في القرآن من بيان هذه المفاهيم.
الوجه الرابع : موضوعات تكليفيّة تعرّض لها القرآن من غير استيعاب ولا شمول ؛ إذ لم يكن الاستقصاء مقصودا بالكلام ، وإنما هو بيان أصل التشريع وذكر جانب منه ، مما كان موضع الابتلاء ذلك الحين ومن ثم يبدو ناقصا غير مستقصى ، ومجملا في الشمول والبيان.
أما الاستقصاء والشمول فالسنّة الشريفة موردها ، ففيها البيان والكمال ، كما لم تأت في القرآن شريعة (رجم المحصن) وإنّما فصّلته السنّة عن مطلق حكم الزاني الوارد في القرآن.
ومثل أحكام الخطأ والعمد في القتل لم يتعرّض لها القرآن باستيعاب ؛ إذ هناك خطأ محض ، وشبه العمد ، والعمد المحض. ليترتب على الأول أنّ الدية على العاقلة ، وعلى الثاني كانت الدية على القاتل ، وفي الثالث كان تشريع القصاص هو الأصل إلّا إذا رضي الأولياء بالدية أو العفو.
فهذا الاستيعاب والاستقصاء إنما تعرضت له السنّة ، فأكملت بيان القرآن ورفعت من إبهامه ، في هذا الجانب الذي كان يبدو مجملا لو كان بصدد البيان ولم يكن أصل التشريع مقصودا فقط.
الوجه الخامس : بيان الناسخ من المنسوخ في أحكام القرآن ؛ إذ في القرآن أحكام أوّليّة منسوخة ، وأحكام أخر هي ناسخة نزلت متأخرا ؛ فلتمييز الناسخ من المنسوخ لا بدّ من مراجعة السنّة. أما القرآن ذاته فلا تمييز فيه بين ناسخه ومنسوخه ، ولا سيّما والترتيب الراهن بين الآيات والسور قد تغير عمّا كان عليه النزول في البعض على الأقل. إذن لم يبق لمعرفة وجه التمايز بين الحكم المنسوخ