وقال ـ في تحديد جزيرة العرب ـ : وأحسن ما قيل في تحديدها ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي مسندا إلى ابن عباس ، قال : اقتسمت العرب جزيرتها على خمسة أقسام. قال : وإنما سمّيت بلاد العرب جزيرة ؛ لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أقطارها وأطرافها ، فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر (١).
إلى غيرها من موارد تدلّك على سعة معرفة ابن عباس بالأوضاع والأحوال التي تكتنفه ، شأن أيّ عالم ومحقق خبير.
وبعد فإنّ إحاطته باللغة وبالشعر القديم ، لتدلّك على قوة ثقافته البالغة حدّا لم يصل إليه غيره ، ممّن كان في طرازه ذلك العهد ، الأمر الذي جعله بحقّ زعيم هذا الجانب من تفسير القرآن ، حتى لقد قيل في شأنه : هو الذي أبدع الطريقة اللغويّة في التفسير (٢) فضلا عن كونه أبا للتفسير في جميع جوانبه ومجالاته.
وبذلك كان قد كشف النقاب عن وجه كثير من آيات أحاطت بها هالة من الإبهام ، لو لا معرفة سبب النزول.
مثلا نتساءل : ما هي العلاقة بين (ذكر الله وذكر الآباء) في قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً)(٣) والسياق وارد بشأن أحكام الحج ومناسكه؟
وهنا يأتي ابن عباس ليوضّح من موضع هذه العلاقة. قال : «إنّ العرب كانوا
__________________
(١) معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٣٧.
(٢) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٧٥ عن مذاهب التفسير الاسلامي لجولد تسيهر ، ص ٨٩.
(٣) البقرة / ٢٠٠.