ومن ثم قال ابن حبّان : ومن المحال أن يجرّح العدل بكلام المجروح. يقصد به البكّاء.
وأضاف ابن حجر : أن إسحاق بن عيسى سأل مالكا : أبلغك أن ابن عمر قال لنافع كذا؟ قال : لا. ولكن بلغني أن سعيد بن المسيّب قال ذلك لمولاه برد! (١)
قلت : ولقد كان رميه بالكذب شائعا على عهده ، وربما على عهد سيّده ابن عباس أيضا ؛ حيث ورد الذّبّ عن نفسه صريحا ، وإنكار ابن عباس ذلك.
قال ابن حكيم : كنت جالسا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، إذ جاء عكرمة ، فقال : يا أبا أمامة ، أذكّرك الله ، هل سمعت ابن عباس يقول : «ما حدّثكم عكرمة عنّي فصدّقوه ، فإنه لم يكذب عليّ»؟ فقال أبو أمامة : نعم (٢).
وقال أيّوب : قال عكرمة : أرأيت هؤلاء الذين يكذّبوني من خلفي ، أفلا يكذّبوني في وجهي! قال ابن حجر : يعني أنهم إذا واجهوه بذلك أمكنه الجواب عنه والمخرج منه. وذلك أن عكرمة كان يسمع الحديث من شيخ ومثله من شيخ آخر ، فربما حدّث وأسنده إلى الأول ، ثم يحدّث ويسنده إلى الآخر ، فمن ذلك رموه بالكذب ، كما قال أبو الأسود : كان عكرمة ربما سمع الحديث من رجلين ، فكان إذا سئل حدّث به عن رجل ، ثم يسأل عنه بعد حين فيحدّث به عن الآخر ، فيقولون : ما أكذبه! وهو صادق (٣).
قال ابن حجر : احتجّ بحديث عكرمة البخاري وأصحاب السّنن. وتركه مسلم ـ إلّا حديثا واحدا ـ وإنما تركه لكلام مالك فيه (كان مالك لا يراه ثقة ويأمر
__________________
(١) مقدمة شرح البخاري ، ص ٤٢٥.
(٢) تهذيب التهذيب ، ج ٧ ، ص ٢٦٥ والمقدمة ، ص ٤٢٧.
(٣) مقدمة فتح الباري ، ص ٤٢٧.