أن لا يؤخذ عنه) (١). قال : وقد تعقّب جماعة من الأئمّة ذلك ، وصنّفوا في الذّبّ عن عكرمة ، منهم : أبو جعفر ابن جرير الطبري ، ومحمّد بن نصر المروزي ، وأبو عبد الله ابن مندة ، وأبو حاتم ابن حبّان ، وأبو عمرو ابن عبد البرّ ، وغيرهم.
وقد لخّص ابن حجر ما قيل فيه ، ثم عقّبه بالإجابة عليه ، قائلا : فأما أقوال من أوهاه ، فمدارها على ثلاثة أشياء : على رميه بالكذب ، وعلى الطّعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج ، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء. قال : أما قبول الجوائز فجمهور أهل العلم على الجواز ، وقد صنّف في ذلك ابن عبد البرّ (٢) قال : على أن ذلك ليس بمانع من قبول روايته ، وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة ، ومع ذلك فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك (٣).
وأما تهمة البدعة فإنّها لم تثبت ، وقد نفاها عنه جماعة من الأئمّة النقّاد. قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عكرمة ، فقال : ثقة. قلت : يحتجّ بحديثه؟ قال : نعم ، إذا روى عنه الثقات. والذي أنكر عليه مالك ، إنما هو بسبب رأي ، على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك ، وإنما كان يوافق في بعض المسائل (٤)
__________________
(١) تهذيب التهذيب ، ج ٧ ، ص ٢٦٨. وفي الميزان ، ج ٣ ، ص ٩٥ : قال مطرف : سمعت مالكا يكره أن يذكر عكرمة ، ولا رأى أن يروي عنه.
(٢) لم نجد فقيها من فقهاء ذلك العهد ، كان قد سلم من ذلك ، لا سيّما إذا كان الأمير صالحا ، وكان الفقيه بحاجة ، كما هو الشأن في مثل عكرمة. فقد قيل له : ما جاء بك إلى هذه البلاد؟ قال : الحاجة. (طبقات ابن سعد ، ج ٥ ، ص ٢١٤) وفي رواية : أسعى على عيالي (مقدمة الفتح ، ص ٤٢٦)
(٣) مقدمة فتح الباري ، ص ٤٢٤ ـ ٤٢٧.
(٤) ما من مذهب وطريقة إلّا ويتوافق بعض مسائله مع مسائل مذاهب آخرين ، وهذا لا يعني التوافق في الأصول وفي كل الاتجاهات. نعم ، الذين في قلوبهم زيغ ، يتبعون ما تشابه ، ابتغاء الفتنة وسعيا وراء الفساد في الأرض.