وثانيا : هذا من كلام أبي موسى الأشعري لأهل الكوفة ، كان يثبّطهم عن النهوض مع الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام عند ما أتاهم رسل الإمام لينهضوا بهم إلى حرب الجمل. وقد ذكره الطبري في حوادث سنة (٣٦) فكان فيما قال : أيّها الناس ، إنها فتنة صمّاء ، النائم فيها خير من اليقظان ، والقاعد فيها خير من القائم. فأغمدوا السيوف ، وانصلوا الأسنّة. وقد جعلنا الله إخوانا ، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ .. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً). وقال : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(١).
وثالثا : إنّ هذا الموضوع عن لسانه ، قد حصل فيه خلط غريب ، بموجب أن الكذوب تخونه ذاكرته!
فقد أخرج ابن سعد عن الشعبي ـ وكان يزعم أنه لم يخرج في شيء من حروب عليّ عليهالسلام ـ قال : كان مسروق إذا قيل له : أبطأت عن عليّ وعن مشاهده؟ ولم يكن شهد معه شيئا من مشاهده ، فأراد أن يناصّهم الحديث ، قال : أذكّركم بالله ، أرأيتم لو أنه حين صفّ بعضكم لبعض ، وأخذ بعضكم على بعض السلاح ، يقتل بعضكم بعضا ، فتح باب من السماء ، وأنتم تنظرون ، ثم نزل منه ملاك حتى إذا كان بين الصّفّين ، قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أكان ذلك حاجزا بعضكم عن بعض؟ قالوا : نعم ، قال : فو الله لقد فتح لها بابا من السماء ، ولقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيّكم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنها لمحكمة في المصاحف ،
__________________
(١) الطبري ـ التاريخ ـ (ط دار المعارف مصر) ، ج ٤ ، ص ٤٨٢ ـ ٤٨٣. والآيات من سورة النساء (رقم ٢٩ و ٩٣)