وعند تفسير قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(١) ، قال : تنتظر الثواب من ربها. قيل له : إن أناسا يقولون : إنه تعالى يرى ، فيرون ربهم : فقال : لا يراه من خلقه شيء (٢).
قال الأستاذ الذهبي : إن مثل هذا التفسير عن مجاهد ، أصبح متّكئا قويّا للمعتزلة فيما بعد ، فيما ذهبوا إليه من مذاهب عقليّة.
قلت : ليس مجاهد وحده ممن فتح باب الاجتهاد والنظر في مفاهيم القرآن ، بل كان يرافقه ـ ذلك العهد ـ كثير من أرباب العقول الراجحة ، ممّن سمّاهم الله تعالى (أُولِي الْأَلْبابِ) ، وهم وفرة في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتابعين لهم بإحسان. وفي هذا التأليف تنويه بجلّة من أعلامهم.
كما أن المعتزلة ليسوا هم وحدهم ـ ممن تبعوا طريقة العقل الرشيد ، ونبذوا الجمود في الرأي وراء الظهور. ففيما عدا السلفيين الحفاة الجفاة وأذنابهم الأشاعرة العراة ، خلق كثير وزرافات من الأمّة المرحومة ، واكبوا أهل الاعتزال أو سبقوهم في هذا المضمار ، ولا يزال.
ومن الموصوفين بحرّية الرأي والاجتهاد في التفسير ، عكرمة مولى ابن عباس ، الذي ربّاه فأحسن تربيته وعلّمه فأحسن تعليمه ، حتى أصبح من الفقهاء وأعلم الناس بالتفسير ومعاني القرآن (٣).
كان يرى مسح الأرجل في الوضوء مستفادا من الكتاب ، كما فهمه شيخه ابن
__________________
(١) القيامة / ٢٣.
(٢) تفسير الطبري ، ج ٢٩ ، ص ١٢٠. وقد أسبقنا الحديث عن ذلك أيضا في ترجمته.
(٣) ابن خلكان ، ج ٣ ، ص ٢٦٥ رقم ٤٢١.