التبعيض ـ كما وهمه البعض ـ بل إن بنية الكلام وتركيبه الخاص (بزيادة ما لا لزوم فيه ظاهرا) هو الذي أفاد هذا المعني ، أي كفاية مسح بعض الرأس. فالتبعيض في الممسوح مستفاد من جملة الكلام لا من خصوص الباء ؛ إذ ليس التبعيض من معاني الباء البتة ، فلا موضع لما نازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض.
قال الشيخ محمد عبده : ونازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض ، قيل :
مطلقا ، وقيل : استقلالا. وإنما تفيده مع معنى الإلصاق ، ولا يظهر معنى كونها زائدة ..
قال : والتحقيق أنّ معنى الباء : الإلصاق لا التبعيض أو الآلة ، وإنّما العبرة بما يفهمه العربي من : مسح بكذا أو مسح كذا ، فهو يفهم من : مسح رأس اليتيم أو على رأسه ، ومسح بعنق الفرس أو ساقه أو بالركن أو الحجر ، أنه أمرّ يده عليه. لا يتقيّد ذلك بمجموع الكف الماسح ، ولا بكل أجزاء الرأس أو العنق أو الساق أو الركن أو الحجر الممسوح. فهذا ما يفهمه كلّ من له حظّ من هذه اللّغة ، ممّا ذكر ، ومن قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(١) ـ على القول الراجح المختار أنّ المسح باليد لا بالسيف ـ ومن مثل قول الشاعر :
ولما قضينا من منى كل حاجة |
|
ومسّح بالأركان من هو ماسح |
وأخيرا ينتهي إلى القول بأنّ ظاهر الآية الكريمة أن مسح بعض الرأس يكفي في الامتثال ، وهو ما يسمّى مسحا في اللّغة ، ولا يتحقق إلّا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح ، فلفظ الآية ليس من المجمل (٢).
وهكذا استدل الإمام عليهالسلام لعدم وجوب استيعاب الوجه واليدين في
__________________
(١) سورة ص / ٣٣.
(٢) تفسير المنار ، ج ٦ ، ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧.