مسحات التيمم بدخول «الباء» ، في قوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(١) ، إذ لم يقل : امسحوا وجوهكم وأيديكم ، لئلا يفيد الاستيعاب فيهما.
ولم يحتمل محمد بن إدريس الشافعي في آية الوضوء «وامسحوا برءوسكم» غير هذا المعنى ، أي المسح لبعض الرأس. قال : «وكان معقولا في الآية أنّ من مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ، ولم تحتمل الآية إلّا هذا ، وهو أظهر معانيها ، أو مسح الرأس كلّه. قال : ودلّت السنّة على أنّ ليس على المرء مسح رأسه كله. وإذا دلّت السنّة على ذلك ، فمعنى الآية : أنّ من مسح شيئا من رأسه أجزأه» (٢).
وزاد ـ في الأمّ ـ «إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء إن كان لا شعر عليه ، وبأي شعر رأسه ، بإصبع واحدة أو بعض إصبع أو بطن كفّه ، أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك. فكذلك إن مسح نزعتيه أو إحداهما أو بعضهما أجزأه ؛ لأنه من رأسه» (٣).
وقد بيّن وجه المعقولية في الآية بقوله : «لأنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني ، فمتى أمكننا استعمالها على فوائد منضمّة بها وجب استعمالها على ذلك ، وإن كان قد يجوز وقوعها صلة للكلام وتكون ملغاة. لكن متى أمكننا استعمالها على وجه الفائدة ، لم يجز لنا إلغاؤها ، ومن أجل ذلك قلنا : إن الباء في «الآية» للتبعيض. ويدل على ذلك أنّك إذا قلت : مسحت يدي بالحائط كان معقولا مسحها ببعضه دون جميعه ، ولو قلت : مسحت الحائط كان المعقول مسحه جميعه دون بعضه. فقد وضح الفرق بين إدخال الباء وبين إسقاطها ، في
__________________
(١) المائدة / ٦.
(٢) أحكام القرآن للشافعي ، ... جمع وترتيب أبي بكر البيهقي صاحب السنن ، ج ١ ، ص ٤٤.
(٣) الأمّ للشافعي ، ج ١ ، ص ٤١.