العرف واللغة. ثمّ أيّد ذلك بما رواه عن إبراهيم (١) ، قال : إذا مسح ببعض الرأس أجزأه ، قال : ولو كانت «امسحوا رءوسكم» كان مسح الرأس كله. قال : فأخبر إبراهيم أن «الباء» للتبعيض ، وقد كان عند أهل اللغة مقبول القول فيها (٢).
قال الرازي : حجّة الشافعي أنه لو قال : مسحت المنديل ، فهذا لا يصدق إلّا عند مسحه بالكليّة ، أما لو قال : مسحت يدي بالمنديل ، فهذا يكفي في صدقه مسح اليدين بجزء من أجزاء ذلك المنديل (٣).
وهذا الذي ذكره الشافعي ، وإن كان يتوافق ـ في ظاهره ـ مع نظرة الإمام الصادق عليهالسلام ، ولعلّه ناظر إليه ، لكنه يتخالف معه في مواضع :
أحدها : زعمه أن «الباء» استعملت ـ هنا ـ بمعنى التبعيض نظير «من» التبعيضيّة ، في حين أنه لم تأت «الباء» في اللغة للتبعيض ، ولا شاهد عليه البتة. واستناده إلى كلام إبراهيم النخعي غير وجيه ؛ لأنه لم يصرح بذلك ، بل إنّ كلامه ككلام الإمام الصادق يهدف إلى أن موضع «الباء» هنا أفاد إجزاء مسح بعض الرأس ـ بالبيان الذي تقدم ـ وهذا يعني أنّ «الباء» ـ في موضعها الخاص هنا ـ تفيد التبعيض في مسح الرأس وهذا غير كونها مستعملة في معنى التبعيض ، كما عرفت.
الثاني : أن التمثيل بالمنديل غير صحيح ؛ لأن المنديل ممّا يمسح به وليس ممسوحا ؛ إذ لا يقال ـ في العرف واللغة ـ : مسحت المنديل ، فقولنا : مسحت يدي
__________________
(١) هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه ، كان مفتي أهل الكوفة ، قال ابن حجر : كان رجلا صالحا فقيها متوقّيا قليل التكلف ، مات سنة (٩٦) وهو مختف من الحجاج (تهذيب التهذيب ، ج ١ ، ص ١٧٧)
(٢) أحكام القرآن لأبي بكر الجصّاص ، ج ٢ ، ص ٣٤١.
(٣) التفسير الكبير ، ج ١١ ، ص ١٦٠.