العادة ؛ حيث لم يتعارف ذلك ولم يعهد استعمال لفظة وإرادة معنيين مستقلّين في المتعارف العام ، فالاستعمال كذلك كان خلاف المتعارف حتى ولو كان ممكنا في ذاته ، نظرا لأن الاستعمال (استعمال اللفظة وإرادة المعنى) إنّما هو بمثابة جعل العلامة من قبيل الإشارات والعلائم الإخطاريّة ، فلا مانع عقلا من استعمال علامة لغرض الإخطار إلى معنيين أو أكثر ؛ إذا كان اللفظ صالحا له بالذات ، فيما إذا كان قد وضع لكلا المعنيين مشتركا لفظيا ، أو أمكن انتزاع مفهوم عام. نعم لم يعهد ذلك في الاستعمالات المتعارفة.
الأمر الذي استهسله القرآن وخرج على المتعارف ، وجعله جائزا وواقعا في استعمالاته. (١) فقد استعمل اللفظة وأراد معناها الظاهري ، حسب دلالته الأوّلى ، لكنه في نفس الوقت صاغ منه مفهوما عاما وشاملا ثانيا ، يشمل موارد أخر ليكون هذا المفهوم العام الثانوي هو الأصل المقصود بالبيان ، والضامن لبقاء المفاهيم القرآنية عامة وشاملة عبر الأيام ، وليست بالمقتصرة على موارد النزول الخاصة.
وكان المفهوم البدائي للآية ، والذي كان حسب مورد نزولها الخاص ، هو معناها الظاهر ، ويسمّى ب «التنزيل». أما المفهوم العام المنتزع من الآية الصالح للانطباق على الموارد المشابهة ، فهو معناها الباطن ، المعبّر عنه ب «التأويل» ، وهذا المفهوم الثانوي العام للآية هو الذي ضمن لها البقاء عبر الأيام.
سئل الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام عن الحديث المتواتر عن
__________________
(١) وذلك نظرا لإحاطته تعالى وشمول عنايته لجميع عباده. ولا يخفى أن المفهوم العام المنتزع من الآية ، هو بنفسه معنى آخر مقصود مستقلا وراء إرادة المعنى الظاهري الأوّلي ، فكل من المعنيين الظاهر والباطن مقصود بذاته ، وليس مندرجا تحت الآخر ، فهو من موضوع البحث وليس خارجا عنه ، كما زعم.