والمراد بالنسخ هنا على قول الإمام الباقر هو عدم وجوب مراعاتها ـ أي تقوى أخص الخواص ـ رفعا للعسر والحرج وتسهيلا على الأمة ، وأما لو راعاها أحد مع مراعاة القواعد الشرعية فلا محذور فيه إطلاقا (١).
خامسا : في قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً* وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٢).
اختلفت أقوال علماء الأمة في حكم هاتين الآيتين على عدة وجوه وهي :
١ ـ ذهب عكرمة وعبادة بن الصامت في رواية الحسن عن الرقاشي عنه ، أن الآية الأولى منسوخة بالثانية ، والثانية منسوخة في البكر من الرجال والنساء إذا زنى بأن يجلد مائة جلدة وينفى عاما ، وفي الثيب منهما أن يجلد مائة ، ويرجم حتى الموت.
٢ ـ ذهب قتادة ومحمد بن جابر إلى : أن الآية الأولى مخصوصة بالثيب والثانية بالبكر وقد نسخت كلتاهما بحكم الجلد والرجم.
٣ ـ ذهب ابن عباس ومجاهد ومن تبعهما كأبي جعفر النحاس إلى : أن الآية الأولى مختصة بزناء النساء من ثيب أو بكر ، والآية الثانية مختصة بزناء الرجال ثيبا كان أو بكرا ، وقد نسخت كلتاهما بحكم الرجم والجلد (٣).
وكيف كان هذا الاختلاف ، فقد ذكر أبو بكر الجصاص أن الأمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين (٤) ، وقد جاء عن الإمام الباقر في روايتين بطريقين مختلفين سندهما صحيح ما يلي :
الأولى : عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سألته ـ يعني الإمام الباقر ـ عن قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
__________________
(١) ظ : مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٦ / ٢٣٢.
(٢) النساء / ١٥ ـ ١٦.
(٣) الناسخ والمنسوخ ، أبو جعفر النحاس ، ٩٨.
(٤) أحكام القرآن ، الجصاص ، ٢ / ١٠٧.