أخرج العياشي بسنده عن زرارة عن أبي جعفر قال : ما من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء ، فإذا تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١).
وقد اختلف العلماء في تفسير لفظة (الرين) على أقوال :
١ ـ عن الحسن ومجاهد : هو الذنب على الذنب ، حتى تحيط الذنوب بالقلب وتغشاه فيموت القلب.
٢ ـ عن مجاهد : القلب كالكف ، فإذا أذنب الذنب انقبض ، وإذا أذنب ذنبا آخر انقبض ثم يطبع عليه وهو الرين (٢).
٣ ـ عن السدي : الذنب على الذنب حتى يسود القلب (٣).
وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل منها ، وإن زاد زادت حتى يغلف بها قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) رواه الترمذي وصححه النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم (٤).
قال الرازي في تفسير الآية : إن الإنسان إذا واظب على الإتيان ببعض أنواع الذنوب ، حصلت في قلبه ملكة نفسانية على الإتيان بذلك الذنب ، ولا معنى للذنب إلا كل ما يشغلك بغير الله ، وكل ما يشغلك بغير الله ظلمة ، فإذن الذنوب كلها ظلمات وسواد ، ولكل واحد من الأعمال السالفة التي أورث مجموعها حصول تلك الملكة أثر في حصولها ، فذلك هو المراد من قولهم : كلما أذنب الإنسان حصلت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود القلب ، ولما كانت مراتب الملكات في الشدة والضعف مختلفة ، لا جرم كانت مراتب هذا السواد والظلمة مختلفة فبعضها يكون رينا وبعضها طبعا ، وبعضها أقفالا (٥).
__________________
(١) تفسير العياشي ، محمد بن مسعود ، ٢ / ٢٦٠+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ١٠ / ٤٥٣.
(٢) التفسير الكبير ، الرازي ، ٣١ / ٩٤+ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٤ / ٥١٥.
(٣) البحر المحيط ، أبو حيان الأندلسي ، ٨ / ٤٤١.
(٤) الترغيب والترهيب ، المنذري ، ٤ / ٩٢+ ذم الهوى ، ابن الجوزي ، ٦٧.
(٥) التفسير الكبير ، الرازي ، ٣١ / ٩٥.