وقال سيد قطب : أي : غطّى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الآثم والمعصية ، والقلب الذي يمرد على المعصية ينطمس ويظلم ، ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويجبه عن النور ويفقده الحساسية شيئا فشيئا حتى يتبلد ويموت (١).
وقال صاحب الميزان : أي : صار ذلك كسد على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدرك الحق على ما هو عليه (٢).
والمهم من هذا كله أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد استلهم الحديث الشريف المروي عن جده رسول الله (صلىاللهعليهوآله) واستطاع أن يصور الرين بأحسن تصوير فيه جانب من رجوع المذنب عن ذنبه وتوبته عن فعله ، فإذا عاد ، رجع السواد للقلب وهكذا.
وقد أفاض أحمد الشرباصي في ذكر أقوال العارفين والمتصوفة في التوبة ومراتبها وتشديدها ، مستوضحا النص القرآني في جلاء صورها وحقيقتها (٣).
وفي ختام الحديث عن التوبة وما كان للإمام الباقر (عليهالسلام) من نصيب وافر في بيانها نقول : أن من العوامل المشوقة للتوبة والباعثة عليها هي أن يتذكر المذنب ما صورته الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة من غوائل الذنوب ومآسيها المادية والروحية في الدنيا والآخرة ، وما توعد الله تبارك وتعالى عليها من صنوف التأديب وألوان العقاب ، وأن يستعرض المذنب أيضا فضائل التوبة ومآثر التائبين وما حباهم الله به من كريم العفو وسمو العناية واللطف.
الثالث عشر : في البغي
في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ...)(٤).
في الدر المنثور ، أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهالسلام) قال : ما من عبادة افضل من أن تسأل ، وما يدفع القضاء إلا الدعاء ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٣٠ / ٨٩.
(٢) الميزان في تفسير القرآن ، الطباطبائي ، ٣٠ / ٢٣٤.
(٣) ظ : موسوعة أخلاق القرآن ، د. أحمد الشرباصي ، ٢ / ٥٣ ـ ٦٤.
(٤) يونس / ٢٣.