وإن أسرع الخير ثوابا البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (١).
قال الرازي في تفسير هذه الآية : أي : لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياما قليلة ، وهي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها (٢).
وقال القرطبي : أي : وباله عائد عليكم ، وتم الكلام ، وروى سفيان بن عيينة أنه قال : أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا ، أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا (٣).
وقال ابن كثير : أي : إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون به أحدا غيركم (٤).
ومن المفسرين المحدثين قال سيد قطب في تفسيره لهذه الآية : سواء كان بغيا على النفس خاصة ، بإيرادها موارد التهلكة ، والزج بها في ركب الندامة الخاسر بالمعصية ، أو كان بغيا على الناس فالناس نفس واحدة ، على أن البغاة ومن يرضون منهم البغي يلقون في أنفسهم العاقبة (٥).
واقرب هذه الأقوال إلى قول الإمام الباقر (عليهالسلام) (وأسرع الشر عقوبة البغي) هو ما نقله القرطبي عن سفيان بن عيينة في تعجيل عقوبة البغي في الحياة الدنيا ، فأراد سبحانه وتعالى في هذه الآية أن يقول للناس ـ والله أعلم ـ أنا اقرب إليكم وإلى أعمالكم منكم فما تعملونه من عمل تريدون به أن تبغوا علينا وتمكروا بنا فإنما توجد بتقديرنا وتجري بأيدينا فكيف يمكنكم أن تبغوا بها علينا؟ بل هي بغي منكم على أنفسكم فإنها تبعدكم منا وتكتب آثامها في صحائف أعمالكم ، فبغيكم على أنفسكم وهو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به أياما قليلة ثم نعاجلكم بالعقوبة على أعمالكم من حيث لا تشعرون.
__________________
(١) الدر المنثور ، السيوطي ، ٣ / ٣٠٤+ حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني ، ٣ / ١٨٢.
(٢) التفسير الكبير ، الرازي ، ١٧ / ٧٢.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٨ / ٣٢٦.
(٤) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ٣ / ٤٩٥.
(٥) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ١١ / ٦٨.