في آية الحفظ ، فإنها مسبوقة بقوله تعالى :
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) «١٥ : ٦».
ولا شبهة في أن المراد بالذكر في هذه الآية هو القرآن ، فتكون قرينة على أن المراد من الذكر في آية الحفظ هو القرآن أيضا.
الثاني : «أن يراد من حفظ القرآن صيانته عن القدح فيه ، وعن إبطال ما يتضمنه من المعاني العالية ، والتعاليم الجليلة».
وهذا الاحتمال أبين فسادا من الأول : لأن صيانته عن القدح إن أريد بها حفظه من قدح الكفار والمعاندين فلا ريب في بطلان ذلك ، لأن قدح هؤلاء في القرآن فوق حد الإحصاء. وان أريد أن القرآن رصين المعاني ، قوي الاستدلال مستقيم الطريقة ، وأنه لهذه الجهات ونحوها أرفع مقاما من أن يصل اليه قدح القادحين ، وريب المرتابين فهو صحيح ولكن هذا ليس من الحفظ بعد التنزيل كما تقوله الآية ، لأن القرآن بما له من الميزات حافظ لنفسه ، وليس محتاجا إلى حافظ آخر ، وهو غير مفاد الآية الكريمة ، لأنها تضمنت حفظه بعد التنزيل.
الثالث : «أن الآية دلت على حفظ القرآن في الجملة ، ولم تدل على حفظ كل فرد من أفراد القرآن ، فإن هذا غير مراد من الآية بالضرورة وإذا كان المراد حفظه في الجملة ، كفى في ذلك حفظه عند الإمام الغائب عليهالسلام.
وهذا الاحتمال أوهن الاحتمالات : لأن حفظ القرآن يجب أن يكون عند من انزل إليهم وهم عامة البشر ، أما حفظه عند الإمام عليهالسلام فهو نظير حفظه في اللوح المحفوظ ، أو عند ملك من الملائكة ، وهو معنى تافه يشبه قول القائل : إني أرسلت إليك بهدية وأنا حافظ لها عندي ، أو عند بعض خاصتي.