ومن الغريب قول هذا القائل إن المراد في الآية حفظ القرآن في الجملة ، لا حفظ كل فرد من أفراده ، فكأنه توهم أن المراد بالذكر هو القرآن المكتوب ، أو الملفوظ لتكون له أفراد كثيرة ، ومن الواضح أن المراد ليس ذلك ، لأن القرآن المكتوب أو الملفوظ لا دوام له خارجا ، فلا يمكن أن يراد من آية الحفظ وإنما المراد بالذكر هو المحكي بهذا القرآن الملفوظ أو المكتوب ، وهو المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد بحفظه صيانته عن التلاعب ، وعن الضياع ، فيمكن للبشر عامة أن يصلوا اليه ، وهو نظير قولنا القصيدة الفلانية محفوظة ، فإنا نريد من حفظها صيانتها ، وعدم ضياعها بحيث يمكن الحصول عليها.
نعم هنا شبهة اخرى ترد على الاستدلال بالآية الكريمة على عدم التحريف.
وحاصل هذه الشبهة أن مدّعي التحريف في القرآن يحتمل وجود التحريف في هذه الآية نفسها ، لأنها بعض آيات القرآن ، فلا يكون الاستدلال بها صحيحا حتى يثبت عدم التحريف ، فلو أردنا أن نثبت عدم التحريف بها كان ذلك من الدور الباطل.
وهذه شبهة تدل على عزل العترة الطاهرة عن الخلافة الإلهية ، ولم يعتمد على أقوالهم وأفعالهم ، فإنه لا يسعه دفع هذه الشبهة ، وأما من يرى أنهم حجج الله على خلقه ، وأنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك فلا ترد عليه هذه الشبهة ، لأن استدلال العترة بالكتاب ، وتقرير أصحابهم عليه يكشف عن حجية الكتاب الموجود ، وإن قيل بتحريفه ، غاية الأمر أن حجية الكتاب على القول بالتحريف تكون متوقفة على إمضائهم.
الدليل الثاني قوله تعالى :
(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ٤١ : ٤١. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ : ٤٢).