أن يكونا متعمدين في هذا التحريف ، وإذا كانا عامدين فإما أن يكون التحريف الذي وقع منهما في آيات تمس بزعامتهما وإما أن يكون في آيات ليس لها تعلق بذلك ، فالاحتمالات المتصورة ثلاثة :
أما احتمال عدم وصول القرآن إليهما بتمامه فهو ساقط قطعا ، فإن اهتمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر القرآن بحفظه ، وقراءته ، وترتيل آياته ، واهتمام الصحابة بذلك في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعد وفاته يورث القطع بكون القرآن محفوظا عندهم ، جمعا أو متفرقا ، حفظا في الصدور ، أو تدوينا في القراطيس ، وقد اهتموا بحفظ أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف لا يهتمون بأمر الكتاب العزيز ، الذي عرضوا أنفسهم للقتل في دعوته ، وإعلان أحكامه ، وهجروا في سبيله أوطانهم ، وبذلوا أموالهم ، وأعرضوا عن نسائهم وأطفالهم ، ووقفوا المواقف التي بيضوا بها وجه التاريخ ، وهل يحتمل عاقل مع ذلك كله عدم اعتنائهم بالقرآن؟ حتى يضيع بين الناس ، وحتى يحتاج في إثباته إلى شهادة شاهدين؟ وهل هذا إلا كاحتمال الزيادة في القرآن ، بل كاحتمال عدم بقاء شىء من القرآن المنزل؟. على أن روايات الثقلين المتظافرة «المتقدمة» دالة على بطلان هذا الاحتمال ، فإن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي» لا يصح إذا كان بعض القرآن ضائعا في عصره ، فإن المتروك حينئذ يكون بعض الكتاب لا جميعه ، بل وفي هذه الروايات دلالة صريحة على تدوين القرآن ، وجمعه في زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأن الكتاب لا يصدق على مجموع المتفرقات ، ولا على المحفوظ في الصدور. ـ وسنتعرض للكلام فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وإذا سلّم عدم اهتمام المسلمين بجمع القرآن على عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم فلما ذا لم يهتم بذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنفسه مع اهتمامه الشديد بأمر القرآن؟ فهل كان غافلا عن نتائج هذا الإغفال ، أو كان غير متمكن من الجمع ، لعدم تهيؤ الوسائل عنده؟! ومن الواضح بطلان جميع ذلك.