وأما احتمال تحريف الشيخين للقرآن ـ عمدا ـ في الآيات التي لا تمس بزعامتهما ، وزعامة أصحابهما فهو بعيد في نفسه ، إذ لا غرض لهما في ذلك ، على أن ذلك مقطوع بعدمه ، وكيف يمكن وقوع التحريف منهما مع أن الخلافة كانت مبتنية على السياسة ، وإظهار الاهتمام بأمر الدين؟ وهلّا احتج بذلك أحد الممتنعين عن بيعتهما ، والمعترضين على أبي بكر في أمر الخلافة كسعد بن عبادة وأصحابه؟ وهلّا ذكر ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته الشقشقية المعروفة ، أو في غيرها من كلماته التي اعترض بها على من تقدّمه؟ ولا يمكن دعوى اعتراض المسلمين عليهما بذلك ، واختفاء ذلك عنا ، فإن هذه الدعوى واضحة البطلان.
وأما احتمال وقوع التحريف من الشيخين عمدا ، في آيات تمس بزعامتهما فهو أيضا مقطوع بعدمه ، فإن أمير المؤمنين عليهالسلام وزوجته الصديقة الطاهرة عليهماالسلام وجماعة من أصحابه قد عارضوا الشيخين في أمر الخلافة ، واحتجوا عليهما بما سمعوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واستشهدوا على ذلك من شهد من المهاجرين والأنصار ، واحتجوا عليه بحديث الغدير وغيره ، وقد ذكر في كتاب الاحتجاج : احتجاج اثنى عشر رجلا على أبي بكر في الخلافة ، وذكروا له النص فيها (١) ، وقد عقد العلّامة المجلسي بابا لاحتجاج أمير المؤمنين في أمر الخلافة (٢) ، ولو كان في القرآن شىء يمس زعامتهم لكان أحق بالذكر في مقام الاحتجاج ، وأحرى بالاستشهاد عليه من جميع المسلمين ، ولا سيما أن أمر الخلافة كان قبل جمع القرآن على زعمهم بكثير ، ففي ترك الصحابة ذكر ذلك في أول أمر الخلافة وبعد انتهائها إلى علي عليهالسلام دلالة قطعية على عدم التحريف المذكور.
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢٨ / ١٨٩ ، الباب الرابع ، رقم الحديث : ٢.
(٢) نفس المصدر : الباب الرابع.