وأما احتمال وقوع التحريف من عثمان فهو أبعد من الدعوى الأولى :
١ ـ لأن الإسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس في إمكان عثمان أن ينقص من القرآن شيئا ، ولا في إمكان من هو أكبر شأنا من عثمان.
٢ ـ ولأن تحريفه إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية ، ولا تمس زعامة سلفه بشيء ، فهو بغير سبب موجب ، وإن كان للآيات التي ترجع إلى شىء من ذلك فهو مقطوع بعدمه ، لأن القرآن لو اشتمل على شىء من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.
٣ ـ ولأنه لو كان محرّفا للقرآن ، لكان في ذلك أوضح حجة ، وأكبر عذر لقتلة عثمان في قتله علنا ، ولما احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين ، وإلى ما سوى ذلك من الحجج.
٤ ـ ولكان من الواجب على علي عليهالسلام بعد عثمان أن يردّ القرآن إلى أصله ، الذي كان يقرأ به في زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وزمان الشيخين ولم يكن عليه في ذلك شىء ينتقد به ، بل ولكان ذلك أبلغ أثرا في مقصوده وأظهر لحجته على الثائرين بدم عثمان ، ولا سيما أنه عليهالسلام قد أمر بإرجاع القطائع التي أقطعها عثمان. وقال في خطبة له :
«والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق» (١).
هذا أمر عليّ في الأموال ، فكيف يكون أمره في القرآن لو كان محرّفا ، فيكون إمضاؤه عليهالسلام للقرآن الموجود في عصره ، دليلا على عدم وقوع التحريف فيه.
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة : ١٥ ، فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان.