الاستقامة في العقيدة والعمل والأخلاق قد اجتمع في الكتاب العزيز ، فهو مجمع العدالة وملتقى متفرقاتها.
«وأثافيّ الإسلام» (١) ومعنى ذلك : أن استقامة الإسلام وثباته بالقرآن كما أن استقامة القدر على وضعه الخاص تكون بسبب الأثافيّ.
«وأودية الحق وغيطانه» يريد بذلك : أن القرآن منابت الحق ، وفي الجملة تشبيه القرآن بالأرض الواسعة المطمئنة ، وتشبيه الحق بالنبات النابت فيها. وفي ذلك دلالة على أن المتمسك بغير القرآن لا يمكن أن يصيب الحق ، لأن القرآن هو منبت الحق ، ولا حق في غيره.
«وبحر لا ينزفه المنتزفون» (٢) ومعنى هذه الجملة والجمل التي بعدها : أن المتصدّين لفهم معاني القرآن لا يصلون إلى منتهاه ، لأنه غير متناهي المعاني ، بل وفيها دلالة على أن معاني القرآن لا تنقص أصلا ، كما لا تنضب العيون الجارية بالسقاية منها.
«وآكام لا يجوز عنها القاصدون» (٣) والمراد أن القاصدين لا يصلون إلى أعالي الكتاب ليتجاوزوها. وفي هذا القول إشارة إلى أن للقرآن بواطن لا تصل إليها أفهام اولي الأفهام. وسنبين هذا في ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد يكون المراد أن القاصدين إذا وصلوا إلى أعاليه وقفوا عندها ولم يطلبوا غيرها ، لأنهم يجدون مقاصدهم عندها على الوجه الأتم.
__________________
(١) الأثافي : كأماني جمع اثفية ـ بالضم والكسر ـ وهي الحجارة التي يوضع عليها القدر.
(٢) نزف ماء البئر : نزح كله.
(٣) والآكام : جمع أكم ، كقصب ، وهو جمع أكمة ، كقصبة ، وهي التل.