للمسافر أن يتوجه في نافلته إلى أية جهة شاء ، وعلى صحة صلاة الفريضة فيما إذا وقعت بين المشرق والمغرب خطأ ، وعلى صحة صلاة المتحير إذا لم يعلم أين وجه القبلة. وعلى صحة سجود التلاوة إلى غير القبلة ، وقد تلاها سعيد بن جبير «رحمهالله» لما أمر الحجاج بذبحه إلى الأرض (١) فهذه الآية مطلقة ، وقد قيدت في الصلاة الفريضة بلزوم التوجه فيها إلى بيت المقدس تارة ، وإلى الكعبة تارة أخرى ، وفي النافلة أيضا في غير حال المشي على قول. وأما ما في بعض الروايات من أنها نزلت في النافلة فليس المراد أنها مختصة بذلك «وقد تقدّم أن الآيات لا تختص بموارد نزولها».
وجملة القول : ان دعوى النسخ في الآية الكريمة يتوقف ثبوتها على أمرين :
الأول : أن تكون واردة في خصوص صلاة الفريضة ، وهذا معلوم بطلانه ، وقد وردت روايات من طريق أهل السنة في أنها نزلت في الدعاء وفي النافلة للمسافر ، وفي صلاة المتحير ، وفي من صلّى إلى غير القبلة خطأ (٢) وقد مر عليك ـ آنفا ـ استشهاد أهل البيت عليهمالسلام بالآية المباركة في عدة موارد.
الثاني : أن يكون نزولها قبل نزول الآية الآمرة بالتوجه الى الكعبة وهذا أيضا غير ثابت ، وعلى ذلك فدعوى النسخ في الآية باطلة جزما. وفي بعض الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام التصريح بأن الآية المباركة ليست منسوخة. نعم قد يراد من النسخ معنى عاما شاملا للتقييد ، فإذا أريد به ذلك في المقام فلا مانع منه ، ولا يبعد أن يكون هذا هو مراد ابن عباس من النسخ فيها ، وقد أشرنا اليه فيما تقدم.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢ / ٧٥.
(٢) تفسير الطبري : ١ / ٤٠٠ ـ ٤٠٢.