للصوم الواجب على الأمة السالفة ، وأن من أحكامه أن الرجل إذا نام قبل أن يتعشى في شهر رمضان لم يجز له أن يأكل بعد نومه في ليلته تلك ، وإذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء ، فنسخ ذلك بقوله تعالى :
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) «٢ : ١٨٧».
وبقوله تعالى :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) «٢ : ١٨٧».
وقد اتفق علماء أهل السنّة على أن آية التحليل ناسخة (١) ثم اختلفوا فقال بعضهم : هي ناسخة للآية السابقة ، فإنهم استفادوا منها أن الصوم الواجب في هذه الشريعة مماثل للصوم الواجب على الأمم السالفة ، وقال بذلك أبو العالية ، وعطاء ، ونسبه أبو جعفر النحاس إلى السدي أيضا (٢) وقال بعضهم : إن آية التحليل ناسخة لفعلهم الذي كانوا يفعلونه.
ولا يخفى أن النسخ للآية الأولى موقوف على إثبات تقدمها على الآية الثانية في النزول ، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثباته ، وعلى أن يكون المراد من التشبيه في الآية تشبيه صيام هذه الأمة ، بصيام الأمم السالفة ، وهو خلاف المفهوم العرفي ، بل وخلاف صريح الآية ، فإن المراد بها تشبيه الكتابة بالكتابة فلا دلالة فيها على أن الصومين متماثلان لتصح دعوى النسخ ، وإذا ثبت ذلك من الخارج كان نسخا لحكم ثابت بغير القرآن ، وهو خارج عن دائرة البحث.
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ص ٢٤.
(٢) نفس المصدر : ص ٢١.