ثانيا : إن هاتين الآيتين لو سلم أنهما مطلقتان كانت الآية المتقدمة مقيدة لهما ، والمطلق لا يكون ناسخا لدليل المقيد ، ولا سيّما إذا تأخر المقيد عنه في الزمان ، كما في المقام.
ومن هذه الوجوه : أن الإجماع قد انعقد على عدم قبول شهادة الفاسق ، والكافر فاسق فلا تقبل شهادته.
والجواب :
إنه لا معنى لدعوى الإجماع هنا بعد ذهاب أكثر العلماء إلى جواز ، وقد عرفت ذلك آنفا ، ولا ملازمة عقلا بين رد شهادة المسلم الفاسق ، ورد شهادة الكافر إذا كان عادلا في دينه.
ومن هذه الوجوه : أن شهادة الكافر لا تجوز على المسلمين في غير الوصية وقد اختلف في قبولها في الوصية ، فيرد ما اختلف فيه إلى ما اجمع عليه.
والجواب :
إن هذا الوجه في منتهى الغرابة بعد أن عرفت قيام الدليل على قبول الشهادة في باب الوصية بلا معارض ، وليت هذا المستدل عكس الأمر. وقال : إن شهادة الكافر على الوصية كانت مقبولة في زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإجماع ، وقد اختلف فيه بعد زمان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيرد ما اختلف فيه إلى ما اجمع عليه.
وجملة القول : لا سند لدعوى النسخ في الآية غير تقليد جماعة من الفقهاء المتأخرين. وكيف يصح أن ترفع اليد عن حكم ورد في القرآن لفتوى أحد من الناس على خلافه؟ ومن الغريب قول الحسن والزهري : إن المراد بقوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) «٥ : ١٠٦».