فيها ، فإن النسخ لا يقع في الجملة الخبرية ، وإذن فلا بد من الالتزام بأن الحصر في الآية إضافي ، فإن المشركين حرّموا على أنفسهم أشياء ، وهي ليست محرّمة في الشريعة الإلهية ، وهذا يظهر من سياق الآيات التي قبل هذه الآية ، أو الالتزام بأن الحصر حقيقي ، وأن المحرمات حين نزول هذه الآية كانت محصورة بما ذكر فيها ، فإن هذه الآية مكية وقد حرّمت بعد نزولها أشياء أخرى ، وكانت الأحكام تنزل على التدريج.
ومن الظاهر أن تحريم شىء بعد شىء لا يكون من النسخ في شىء ، وكون الحصر حقيقيا أظهر الاحتمالين وأقربهما إلى الفهم العرفي ، ومع ذلك فلا نسخ في مدلول الآية ـ ولو كان الحصر إضافيا ـ كما عرفت.
٢١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ٨ : ١٥. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ : ١٦).
فقد ذهب بعضهم إلى أن هذا الحكم منسوخ بقوله تعالى :
(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) «٨ : ٦٦».
فإن المسلمين إذا قلّ عددهم عن نصف عدد الكفار جاز لهم ترك القتال ، والفرار من الزحف. ومن القائلين بهذا القول : عطاء بن أبي رياح (١).
__________________
(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ص ١٥٤ ، وتفسير الطبري : ٩ / ١٣٥.