والجواب عن ذلك :
ان تقييد إطلاق هذه الآية بآية التخفيف المذكورة مؤكد لبقاء حكمها ومعنى ذلك : ان الفرار من الزحف محرم في الشريعة الإسلامية إذا لم يكن عدد المسلمين أقل من نصف عدد الكفار ، وأما إذا كان المسلمون أقل عددا من ذلك فلا يحرم عليهم الفرار ، وهذا ليس من النسخ في شىء.
وروي عن عمرو بن عمر ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وأبي نضرة ، ونافع مولى ابن عمر ، والحسن البصري ، وعكرمة ، وقتادة ، وزيد بن أبي حبيب ، والضحاك : أن الحكم مخصوص بأهل بدر ، ولا يحرم الفرار من الزحف على غيرهم. وبه قال أبو حنيفة (١).٥
وهذا القول أيضا باطل :
فإن مورد الآية وإن كان يوم بدر ، إلا أن ذلك لا يوجب اختصاص الحكم به ، بعد أن كان اللفظ عاما ، وكان الخطاب شاملا لجميع المسلمين ولا سيما إذا كان نزول الآية المباركة بعد انقضاء الحرب من يوم بدر (٢).
وذهب ابن عباس (٣) وجميع الشيعة الإمامية ، وكثير من علماء أهل السنة إلى أن الآية محكمة ، وحكمها مستمر إلى يوم القيامة ، وهذا هو القول الصحيح وقد عرفت الدليل عليه ، والروايات في ذلك متظافرة من الطريقين.
روى الكليني بإسناده عن محمد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال :
__________________
(١) تفسير الشوكاني : ٢ / ٢٨٠.
(٢) نفس المصدر.
(٣) الناسخ والمنسوخ للنحاس : ١٥٤ ، وتفسير الطبري : ٩ / ١٣٥.