وجوده. ولا ريب في أنه فعل الله سبحانه وهو مبدعه وموجده. وأما الكمال الثاني وهي الأمور التي توجب الفضل والميز ، فما كان منه خارجا عن اختيار المخلوق فهو أيضا من أفعال الله تعالى بلا ريب. وذلك كما في نمو النبات وإدراك الحيوان منافعه ومضاره ، وقدرة الإنسان على بيان مقاصده. وما كان منه صادرا عن المخلوقين باختيارهم ، فهي وإن كانت اختيارية إلا أنها منتهية إلى الله سبحانه ، فانه الموفق للصواب ، والهادي إلى الرشاد. وقد ورد : «إن الله أولى بحسنات العبد منه» (١) وقد أشير إلى ذلك بجملة «رب العالمين».
الأمر الثالث :
إن الفعل الحسن الصادر من الله تعالى لا يرجع نفعه اليه ، لأنه الكامل المطلق الذي يستحيل عليه الاستكمال. وفعله إنما هو إحسان محض يرجع نفعه إلى المخلوقين. وأما الفعل الحسن الصادر من غيره فهو وإن كان إحسانا إلى أحد في بعض الأحيان ، إلا أنه إحسان إلى نفسه أولا وبالذات ، وبه يدرك كماله :
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) «١٧ : ٧».
فالإحسان المحض إنما هو فعل الله تعالى لا غير فهو المستحق للحمد دون غيره وإلى ذلك أشير بجملة : «الرحمن الرحيم».
ثم إن الثناء على الفعل الجميل قد يكون ناشئا عن إدراك الحامد حسن ذات الفاعل وصفاته من دون نظر إلى إنعامه ، أو الرغبة فيه ، أو الرهبة منه. وقد يكون ناشئا عن النظر إلى أحد هذه الأمور الثلاثة ، فقد أشير إلى المنشأ الأول بجملة : «الحمد لله» فالحامد يحمده تعالى بما أنه مستحق للحمد في ذاته ، وبما أنه مستجمع
__________________
(١) الوافي : باب الخير والقدر ج ١ ص ١١٩.