أوجبوا عليه التوبة ، فأمروا بحبسه إما مطلقا أو على تقدير أن لا يتوب.
والذي أوقع ابن تيمية في الغلط ـ إن لم يكن عامدا لتفريق كلمة المسلمين ـ هو تخيّله أن الأمور المذكورة شرك بالله ، وعبادة لغيره. ولم يدرك أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأعمال يعتقدون توحيد الله ، وأنه لا خالق ولا رازق سواه ، وأن له الخلق والأمر ، وإنما يقصدون بأفعالهم هذه تعظيم شعائر الله ، وقد علمت أنها راجعة إلى تعظيم الله والخضوع له والتقرب اليه سبحانه ، والخلوص لوجهه الكريم ، وأنه ليس في ذلك أدنى شائبة للشرك ، لأن الشرك ـ كما عرفت ـ أن يعبد الإنسان غير الله. والعبادة إنما تتحقق بالخضوع لشىء على أنه رب يعبد ، وأين هذا من تعظيم النبي الأكرم وأوصيائه الطاهرين عليهمالسلام بما هو نبي وهم أوصياء ، وبما أنهم عباد مكرمون ، ولا ريب في أن المسلم لا يعبد النبي أو الوصي فضلا عن أن يعبد قبورهم.
وصفوة القول : أن التقبيل والزيارة وما يضاهيهما من وجوه التعظيم لا تكون شركا بأي وجه من الوجوه ، وبأي داع من الدواعي ، ولو كان كذلك لكان تعظيم الحي من الشرك أيضا ، إذ لا فرق بينه وبين الميت من هذه الجهة ـ ولا يلتزم ابن تيمية وأتباعه بهذا ـ وللزم نسبة الشرك إلى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وحاشاه فقد كان يزور القبور ، ويسلم على أهلها ، ويقبل الحجر الأسود كما سبق وعلى هذا فيدور الأمر بين الحكم بأن بعض الشرك جائز لا محذور فيه ، وبين أن يكون التقبيل والتعظيم ـ لا بعنوان العبودية ـ خارجا عن الشرك وحدوده ، وحيث أنه لا مجال للأول لظهور بطلانه فلا بد وأن يكون الحق هو الثاني ، فإذا تكون الأمور المذكورة داخلة في عبادة الله وتعظيمه :
(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) «٢٢ : ٣٢».