(عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) «٢١ : ٢٧».
وتوسّل بهم إلى الله ، وجعلهم شفعاء اليه بإذنه ، تجليلا لشأنهم وتعظيما لمقامهم ، لم يخرج بذلك عن حد الإيمان ، ولم يعبد غير الله.
ولقد علم كل مسلم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقبل الحجر الأسود ، ويستلمه بيده إجلالا لشأنه وتعظيما لأمره. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يزور قبور المؤمنين والشهداء والصالحين ، ويسلّم عليهم ، ويدعو لهم.
وعلى هذا جرت الصحابة والتابعون خلفا عن سلف ، فكانوا يزورون قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتبرّكون به ويقبّلونه ، ويستشفعون برسول الله ، كما كانوا يستشفعون به في حياته. وهكذا كانوا يفعلون مع قبور ائمة الدين وأولياء الله الصالحين ، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة ، ولا أحد من التابعين أو الأعلام ، إلى أن ظهر أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرّاني فحرّم شدّ الرحال إلى زيارة القبور ، وتقبيلها ، ومسّها ، والاستشفاع بمن دفن فيها ، حتى أنه شدد النكير على من زار قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو تبرّك به بتقبيل أو لمس ، وجعل ذلك من الشرك الأصغر تارة ومن الشرك الأكبر أخرى.
ولما رأى علماء عصره عامة أنه قد خالف في رأيه هذا ما ثبت من الدين ، وضرورة المسلمين ، لأنهم قد رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حثه على زيارة المؤمنين عامة وعلى زيارته خاصة بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من زارني بعد مماتي كان كمن زارني في حياتي» (١) وما يؤدي هذا المعنى بألفاظ أخر (٢) تبرئوا منه ، وحكموا بضلاله ، و
__________________
(١) بحار الأنوار : ١٠٠ / ١٤٣ ، باب ١ ، الحديث : ٢٧.
(٢) انظر التعليقة رقم (١٧) للوقوف على الروايات التي استفاضت في جواز زيارة القبور ـ وقد ذكر جملة منها عبد السلام بن تيمية ـ في قسم التعليقات.