وخالق الخلق أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا ، تأكل كما نأكل ، وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الأسواق كما نمشي. فهذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال ، عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدم. ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده ... لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من فيما بينا مالا ، وأحسن حالا. فهلّا انزل هذا القرآن ـ الذي تزعم أن الله أنزله إليك وبعثك رسولا ـ على رجل من القريتين عظيم ، إما الوليد بن مغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فهل بقي من كلامك شىء يا عبد الله؟ قال : بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه ، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها ، وتجري فيها العيون فإنا إلى ذلك محتاجون ، أو يكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمها ، وتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : (وَإِنْ)(يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) ، فلعلنا نقول ذلك.
ثم قال : ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
ثم قال : أو ترقى في السماء ولن نؤمن لصعودك حتى تنزل علينا كتابا من الله العزيز الحكيم ، إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فإنه رسولي ، وصدقوه في مقاله فإنه من عندي.
ثم لا ادري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، لو رفعتنا إلى السماء ، وفتحت أبوابها ، ودخلناها لقلنا إنما سكّرت أبصارنا وسحرتنا ...