والأرض ، فكذا أفعال الناس بالنسبة إلى حكم العقل فأين الضرب المورث للحزن والغم من الإحسان الموجب للفرح والسرور ، وكما أن المسموعات بعضها يلائم القوة السامعة وبعضها ينافرها وكذا المبصرات والمذوقات وغيرها ، فكذلك المدركات بالنسبة إلى القوة العاقلة التي هي رئيس تلك القوى فإن لبعض الأفعال بحسب خصوصيات وجوده نفعا وضرا وخيرا وشرا موجبة لاختلافها في الملاءمة للقوة العاقلة والمنافرة ، ومع هذا لا يبقى مجال لإنكار الحسن والقبح عقلا إذ لا نعني بهما إلا كون الشيء في نفسه ملائما للعقل فيعجبه أو منافرا فيضر به فيوجبان ذلك صحة مدح الفاعل وصحة قدحه انتهى.
وأما الأشاعرة فوجه إنكارهم الحسن والقبح أما في أفعاله تعالى فلبنائهم على أن كل ما فعله تعالى فهو صدر منه في محله ، لأنه مالك الخلق كله ، فلو أثاب العاصي وعاقب المطيع لم يأت بقبيح لأنه تصرف في مملكته ومحل سلطنته (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) ، وأما في أفعال العباد فلبنائهم على عدم صدور الأفعال منهم بالاختيار بل بالجبر والاضطرار ولا شيء من أفعال المجبور متصف بحسن ولا قبح ، وكلا البناءين باطلان لأن قدرته تعالى لا يصير الحسن العقلي قبيحا ولا القبيح العقلي حسنا وأفعال العباد اختيارية على الغالب كما يشهد به الوجدان.
تنبيه :
تنقسم الأفعال الاختيارية للمكلفين بناء على قول الإمامية والمعتزلة إلى أقسام ثلاثة ، ما يدرك العقل حسنه ، وما يدرك قبحه ، وما لا يدرك له حسنا ولا قبحا ولا يحكم فيه بشيء ، هذا بالنسبة إلى عقولنا القاصرة غير المحيطة بجهات الخير والشر والمصلحة والمفسدة ، وأما العقول الكاملة المحيطة بجميع جهات الأفعال وملاكاتها كالموجودة في النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله وأوصيائه «عليهمالسلام» فتقسم عندها إلى ما هو حسن واقعا وما هو قبيح كذلك وما ليس له حسن ولا قبح ، ولعل الصحيفة المكتوبة فيها جميع الأحكام الموروثة من إمام إلى إمام كناية عن عقلهم «عليهمالسلام» المنعكس فيه جميع الكائنات على ما هي عليه وكذا الجفر وغيره.