الثاني : أدلة نفي الحرج رافعة للأحكام الشرعية في موارد ودافعة لها في أخرى.
فالحكم المجعول الذي لا حرج في أصل جعله وتشريعه إذا عرضت له الحرجية في بعض الموارد تكون حكومة قاعدة الحرج عليه بالرفع ، لأجل شمول إطلاق دليل الحكم لذلك المورد.
والحكم الذي يكون جعله من أصله حرجيا تكون حكومتها عليه بالدفع فلا جعل ولا إنشاء أصلا لمكان الحرج.
ثم إنهم جعلوا من أمثلة الرفع العفو عن دم الجروح والقروح للمصلي والعفو عن نجاسة ثوب المربية للصبي ورفع شرطية الطهارة عن صلاة المبطون والمسلوس في بعض الفروض ، والترخيص في الإفطار للمريض والحامل والمرضعة والشيخ والشيخة وذي العطاش ، وسقوط القيام عن صلاة المريض والهرم ، وإباحة المحرمات عند الاضطرار.
ومن أمثلة الدفع.
تشريع القصر في السفر ، وتشريع الطلاق ، وعدم وجوب السواك ، وعدم وجوب صلاة الليل وصلاة الجماعة وغير ذلك.
الثالث : لا إشكال في خروج بعض الموارد من تحت هذه القاعدة وعدم شمولها لها كوجوب الجهاد للدعوة إلى الإسلام ، ووجوب الدفع عن الأهل والمال ولو بالقتال ونحوه على القول به.
فحينئذ نقول هل يكون خروجها من تحت القاعدة بالتخصيص كتخصيص قاعدة نفي الضرر ببعض الأحكام الضررية ، أو بالتخصص بدعوى عدم وجود العسر والحرج فيها حقيقة ، فإن أدلة نفي الحرج غير قابلة للتخصيص فهي نظير قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) وقوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فليس ما تخيل كونه من باب الحرج إلا كما تخيل كونه ظلما للعباد من الأحكام ... فأدلة تلك الموارد كاشفة عن الخروج الموضوعي وإن كنا لم نعرف وجهه ، وجهان أظهرهما الأول.