وآخرون إلى أن المضارع هو الأصل ، وأمّا لحاظ المادة بالخصوص دون الهيئة فلا وجود له على ما قلنا.
تتمة :
كما أن اللفظ هيئة ومادة كذلك للمعنى أيضا هيئة ومادة ، فمادة الضرب مثلا هي أصل تصادم جسم مع آخر وهيئته هي الخصوصيات الملازمة له وعوارضه الوجودية من الزمان والمكان وما منه وجوده أعني الضارب وما به وجوده أعني آلة الضرب ، ومواد الألفاظ تحكي عن مواد المعاني وهيئاتها تحكي عن هيئاتها ، فمادة ضرب تحكي عن أصل الضرب وهيئته عن زمانه ، ومادة كلمة مضراب عن أصل الضرب وهيئتها عما به يوجد الضرب وهكذا.
هذا كله في الحقائق وأما المجازات ففيها أقوال :
الأول : القول بأن لها وضعا نوعيا من حيث الهيئة والمادة ، بمعنى أن الواضع أشار إلى كلتيهما بالإشارة الإجمالية بأن جعل عنوان اللفظ آلة للحاظهما فقال وضعت كل لفظ موضوع لمعنى من المعاني لمشابه ذلك المعنى أو لسببه أو لمسببه أو للحال فيه أو لمحله على اختلاف أنحاء المجازات ، فكأنه وضع في ضمن هذا البيان لفظ الأسد للرجل الشجاع مع أنه لم يلاحظ له هيئة ومادة ، فاستعمال اللفظ في معناه المجازي أيضا يرجع إلى وضع الواضع ولذلك حصروا المجازات في أقسام تخيلوا تنصيص الواضع عليها.
الثاني : القول بأن استعمالها في المعاني المجازية لا ربط له بالواضع ، بل هو منوط باستحسان طبع المستعمل ، فأي ربط تصوره المستعمل بين معنى من المعاني وبين المعنى الحقيقي وطاب نفسه باستعمال لفظه فيه فالاستعمال جائز وصحيح ، فلا تكون أقسام المجازات محصورة فيما حصروها فيه.
الثالث : القول بأن الألفاظ لم تستعمل في غير ما وضعت له أصلا حتى في المجازات بل هي مستعملة في معانيها الحقيقية بدعوى اتحادها مع المعاني المجازية ، مثلا إذا قلت جاءني أسد مريدا به زيدا فإنك لم تستعمل الأسد في زيد ابتداء وبلا واسطة بل كأنك قلت جاءني الحيوان المفترس المعهود وزيد هو ذلك الحيوان ، وهذا هو القول الذي