العقل بترتب استحقاق المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته مضافا إلى مصلحة الفعل المطلوب ، كغالب الأوامر الواقعة في الكتاب والسنة فإذا أمر المولى بالصلاة والصيام وحصل من العبد امتثال ذلك الأمر ترتب عليه أمران : أحدهما : حصول غرض المولى من أمره وهو نيل العبد إلى المصالح الموجودة في الصلاة والصيام ، وثانيهما : حكم العقل باستحقاقه للجزاء والمثوبة بواسطة حصول الطاعة منه.
والثاني : هو البعث الصوري الذي ليس بطلب وأمر حقيقة بل ليس بالدقة إلا إخبارا عن مصلحة الفعل وإرشادا وهداية إلى فعل ذي صلاح بحيث لا يترتب لدى العرف والعقلاء على موافقته إلا الوصول إلى مصلحة العمل المرشد إليه وعلى مخالفته إلا فوت تلك المصلحة ، فقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) بعث إلى إطاعة الأوامر الصادرة منه تعالى فهو أمر بالصلاة والزكاة والحج ونحوها فيجتمع حينئذ في الواجبات والمستحبات أمران ، أمرها الأولى من قوله صل وصم وحج وغيرها ، وأمرها الثانوي بواسطة انطباق عنوان الإطاعة عليها ، فلصلاة الظهر مثلا أمر بعنوان أنّها ظهر وأمر بعنوان أنها إطاعة للأمر الأول والأول حقيقي مولوي كما ذكرنا والثاني إرشادي يهدي إلى المصلحة الثابتة في متعلقه وهو الإطاعة بإتيانه ، فحينئذ إذا أتى العبد بالظهر لم يترتب على موافقة أمرها الثانوي إلا نفس ما في الإطاعة مع قطع النظر عن هذا الأمر وهو درك مصلحة الظهر وثواب إطاعة الأمر المولوي ، لا أنه يستحق جزاء للأمر الأول وجزاء ومثوبة للأمر الثاني ، ولو خالف ولم يأت بها لم يترتب عليها أيضا إلا فوت مصالح الظهر وترتب عقاب الأمر الأول لا أن هنا عقابين أحدهما للأمر الأول والثاني للأمر الثاني وهكذا سائر موارد الإرشاد.
ثم إن تعيين كون الأمر مولويا أو إرشاديا وتشخيص مواردهما موكول إلى حكم العقل ونظر أهل الفن وقد اختلفت كلماتهم في ذلك فقال بعضهم إن كل مورد يكون للعقل فيه حكم بالاستقلال فالحكم الوارد فيه حكم إرشادي كقبح الظلم وحسن الإحسان ، وقال آخرون إن كل مورد يلزم من إعمال المولوية فيه اللغوية فهو مورد الإرشاد ، وذهبت عدة ثالثة إلى أن كل مورد يلزم من جعل الأمر المولوي محذور عقلي