ألف ملك ثمّ لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله إبراهيم وإسماعيل ببنيان البيت على القواعد » (١).
« مُبارَكاً » كثير الخير والبركة لما يحصل لمن حجّه وعكف عنده من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ولما يحصل لمن قصده من نفي الفقر وكثرة الرزق « وَهُدىً لِلْعالَمِينَ » لأنّه متعبّدهم « فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ » أي دلالات واضحات كإهلاك أصحاب الفيل وغيرهم واجتماع الظبي مع الكلب في حرمة فلا ينفر عنه مع نفرته في غيره وأنّ الطير لا تعلوه.
قوله تعالى « مَقامُ إِبْراهِيمَ » قيل هو عطف بيان لآيات ولذلك قرأ ابن عباس آية بيّنة والمشهور الجمع وعليه التواتر فعلى هذا كيف يصحّ بيان الجمع بالواحد أجيب إمّا بأن يكون بمنزلة الجمع نحو قوله ( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ) (٢) وفيه نظر لأنّه مجاز أو بأنّ المقام يشتمل على آيات كأثر رجليه في الحجر وغوصهما فيه إلى الكعبين ولأنه بعض الصخرة دون بعض وحفظه من المشركين مع كثرة أعدائه وإبقائه [ إلى ] مدّة من السّنين فساغ البيان به وفيه أيضا نظر لأنّ المقام نفسه ليس بآية بل فيه الآيات فلا يجوز جعل ما فيه الآيات عطف بيان لنفس الآيات لوجوب توارد البيان والمبيّن على ذات واحدة ، أو يكون « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » آية ثانية ويكون الآيتان جمعا أو الآيات الباقية مطويّة كقول جرير :
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم |
|
من العبيد وثلث من مواليها(٣) |
ومنه قوله صلىاللهعليهوآله « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرّة عيني في الصلاة » (٤) وفيه أيضا نظر لأنّ الطيّ إنّما يكون إذا وجدت دلالة على المطويّ
__________________
(١) هكذا رواه في المجمع ج ٢ ص ٤٧٧ واما في الكافي ج ٤ ص ١٨٩ : ان الله أنزل الحجر لادم عليهالسلام من الجنة وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله عزوجل الى السماء الحديث.
(٢) النحل : ١٢٠.
(٣) البيت لجرير بن عطية من قصيدة له في ديوانه ٥٩٩ و ٦٠٠ وترى أشطرا منها في البيان والتبيين ج ٣ ص ٨٤ فراجع.
(٤) السراج المنير ج ٢ ص ٢٢٠.