تعبد ربها من حيث تصورت جواز ترك العمل والاستغناء عنه ، فالصورة الملائكية التي اكتسبتها بمعرفة الحدود حافظة للذات من أن تفنى ، وتلك الصورة البهيمية الاخرى التي اكتسبتها باقية فيها لبقائها ، فيحدث من وجود الصورتين الآلام ، ويا لها من الآلام ! وقد ينتقل من قضية الامكان إلى قضية الوجود والدوام ، فيظلم جوهره وقتما يألم احدهما بالآخر ، فترد النفس بهاتين النهايتين على أهوال عظيمة ، فلا حي تحيى حياة كلية ولا هي تفنى فتستريح استراحة أبدية ، كما قال تعالى : ( لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ) يقاسي ألم العذاب في ذاتها من جهة شمس البرية في المدينة الملكية التي بنتها الأنوار القدسية في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. ١
وكل ذلك العذاب الأبدي بسبب إنكاره للأئمة وتكبره عن قبول ولايتهم ، وهو ما قاله إبراهيم بن الحسين الحامدي ( المتوفى ٥٥٧ ه ) في شرحه لقول الكرماني ، وهو قوله : وذلك من جهة شمس البرية في المدينة الملكية. قال الحامدي : يعني المقام القائم في كل دور الذي هو شمس دوره ، فمن أنكره وتكبّر عنه وعصى وقع في عين الخطأ ، وهبط من السوي الألفي ، ونزل في العذاب السرمدي أبد الآبدين. ٢
وقال أيضاً : وقد جاء عن سيدنا المؤيد ما يؤيد ذلك قال : وكل نفس خالفت وقصرت وجهلت وضلّت وهفت إلى حطام الدنيا العاجلة وارتكاب الشهوات الفانية البهيمية ، صارت صورتها صورة إبليسية شيطانية مخالفة صورة الأصلين ، فلاتصير ملكاً ، ولا تقدر أن ترتقي إلى العلى ، بل هي مخلدة في العذاب أبداً. ٣
________________
١. راجع : ابراهيم بن الحسين الحامدي ، كنز الولد ، ص ٣٠٦ ، ٣٠٧.
٢. المصدر السابق ، ص ٣٠٧.
٣. المصدر السابق ، ص ٣٠٨.