العذاب أو صيرورته عذباً وسائغاً ومرغوباً ، فإنه في نظر كاتب هذه السطور من الأوهام ، وفي جميع الآيات والروايات العذاب معلق على الوجود في جهنم بهذا المعنى ، وهو أن النيران ودركاتها ليست موضعاً للذة والرحمة ، ومحلاً للاستراحة والمسرة ، بل آلامها متنوعة وشروها دائمة ، وبالنتيجة فانها دار العذاب والنقمة والبلاء ، ودوام العذاب تابع للملكات الراسخة الحاصلة عن الأعمال والنيات. ١
ولهذا فهو يتمسك بحديث منقول عن الامام الصادق عليهالسلام قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم جالساً في مسجده ، إذ دخل عليه رجل من اليهود ، قال اليهودي : فان كان ربك لا يظلم ، فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلّا أياماً معدودة ؟ قال : يخلده على نيته ، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى إنقضائها ، كان يعصي الله عزوجل خلده في ناره على نيته ، ونيته في ذلك شر من عمله... إلى أن قال صلىاللهعليهوآله : والله عزّوجلّ يقول : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ) ». ٢
وعن طريق هذا الحديث يريد الآشتياني أن يثبت بأن تكرر الأعمال القبيحة الصادرة عن الانسان يؤدي إلى رسوخ النية السوء في باطن النفس ، فتكون غير قابلة للزوال ، وبالنتيجة يكون العذاب دائمياً غير قابل للزوال والانقطاع حيث يقول : الجهة الباقية للعمل التي هي منشأ الثواب والعقاب هي نفس النية الحاصلة في مقام باطن الانسان ، والتي ينشأ العمل منها ، والعمل أمر زائل وغير باق وواقع في دار الحركات ، ومركب من الأعراض المتباينة بحيث له صورة اعتبارية ، وجوهر وباطن ذلك هو النية ، وهذه النية في الذين
________________
١. راجع : المصدرين السابقين ، ص ٣٥٧ ؛ ص ٣٢٥ ، ٣٢٦.
٢. راجع : الشيخ الصدوق ، التوحيد ، ص ٣٨٦ ، ٣٨٧.