فائدة. فان قيل : كيف يستثني من الخلود في النار ما قبل الدخول فيها ؟ فالجواب : أن ذلك جائز الإخبار به قبل الدخول فيها.
وأشكل العلامة الطباطبائي على هذا الوجه بقوله : إنّه لادليل عليه من جهة اللفظ ، على أن هذا الوجه بظاهره مبني على إفادة قوله : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) الشقاوة والسعادة الجبريتين من غير اكتساب واختيار ، وقد عرفت ما فيه. ١
وقال ابن القيم : وقول من قال إنه لا خراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان كزمان البرزخ والموقف ومدة الدنيا أيضاً لا يساعد عليه وجه الكلام ، فانه استثناء من جملة خبرية مضمونها أنهم إذا دخلوا النار لبثوا فيها مدة دوام السماوات والأرض إلا ما شاء الله ، وليس المراد الاستثناء قبل الدخول ، ألا ترى أنه سبحانه يخاطبهم بهذا في النار حين يقولون : ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ) فيقول لهم حينئذٍ : ( النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ). ٢
ثالثاً : إن الاستثناء الأول يتصل بقوله : ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) وتقديره إلّا ما شاء ربك من أجناس العذاب الخارجة عن هذين الضربين ، ولا يتعلق الاستثناء بالخلود ، وفي أهل الجنة يتصل با دل عليه الكلام ، فكأنه قال : لهم فيها نعيم الّا ما شاء ربك من أنواع النعيم وإنّما دلّ عليه قوله : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ).
قال العلامة الطباطبائي : وفيه أنه قطع لاتصال السياق ووحدته من غير دليل ، وفيه أخذ ( إلّا ) الأولى بمعنى سوى و ( إلّا ) الثانية بمعنى الاستثناء ، على أنه لا قرينة هناك على تعلق ( إلّا ) الأولى بقوله : ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ) ولا أن قوله : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) يدل على ما ذكر ، فانه إنما يدل على دوام العطاء لا على جميع أنواع العطاء أو بعضها. ثم أية فائدة في استثناء بعض أنواع النعيم
________________
١. تفسير الميزان ، ج ١١ ، ص ٣٠. |
٢. حادي الارواح ، ص ٢٥١. |