المقصود من الاحقاب مدة معينة ، ويكون قوله تعالى : ( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) حالاً من الضمير المستكن في ( لابثين ) فيكون قيداً للّبث ، فيحتمل أن يلبثوا فيها أحقاباً غير ذائقين إلّا حميماً وغساقاً ، ثم يكون لهم لبث على حال آخر من العذاب ، وكذا إن جعل أحقاباً منصوباً بلايذوقون قيداً له. قال الالوسي : إن فيه بعد ، وقال : ومثله لو جعل ( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا ) الخ صفة لـ « أحقاباً » وضمير « فيها » لها لا لجهنم ، لكنه أبعد من سابقه. ١
وقال العلامة الطباطبائي : قيل : ( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا ) الخ صفة « أحقاباً » والمعنى لابثنين فيها أحقاباً هي على هذه الصفة ، وهي أنهم لايذوقون فيها برداً ولا شراباً إلّا حميماً وغساقاً ، ثم يكونون على غير هذه الصفة إلى غير النهاية ، قال : وهو حسن لو ساعد السياق. ٢ ونسبة هذا القول إلى ( قيل ) دليل على ضعفه عنده وقد أشار أيضاً بعدم مساعدة السياق لهذا الاعتبار.
وأما الوجه الثاني ، وهو أن معنى الآية أنهم يلبثون في النار أحقاباً متتابعة لا انقطاع فيها ، فيكون قوله تعالى : ( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا ) الخ حسب هذا الوجه جملة مستأنفة وليس حالاً ، والضمير في قوله ( فيها ) عائد إلى جهنم.
ومما يؤيد هذا الرأي مانقله الرازي عن الفراء قوله : أصل الحقب من الترادف والتتابع يقال : أحقب ، إذا أردف ، ومنه الحقيبة ، وكل من حمل وزراً فقد احتقب. ٣ ويؤيده أيضاً ما قاله البروسوي حيث قال : وأصل الحقب من الترادف والتتابع يقال : أحقب إذا أردف ، ومنه الحقيبة : وهي الرفادة في مؤخرة القتب ، وكل ما شد في مؤخر رحل أو قتب فقد احتقب ، والمحقب المردف. ٤ ويؤيده كذلك تعريف اللغويين الحقب بمدة من الزمان مبهمة.
فالأولى أن يحمل معنى الآية على الوجه الثاني الذي قبله أكثر المفسرين ، وهو البعيد عن الاشكالات التي ترد على الوجه الأول.
________________
١. روح المعاني ، ج ٣٠ ، ص ١٥. |
٢. تفسير الميزان ، ج٢٠ ، ص ١٦٨. |
|
٣. تفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ١٣. |
٤. روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٠٢. |
|